(إن راحة النفس لا يمكن أن تأتي من خلال النبش في حياة الآخرين ومراقبتهم)
…. تمنَّ الخير لمن حولك يأتيك أولاً….
راودتني منذ فترة فكرة الكتابة عن بعض البشر الذين نتعامل معهم ونعيش بينهم، فجُلّ همهم البحث والتنقيب والنبش في حياة الآخرين، أنوفهم تقتفي آثار الناس، وينشغلون بأخبارهم. يُمعِنون النظر في أحوال هذا وذاك، ويُطرِقون السمع لخبر من هنا أوهناك، ويطرحون الكثير من الأسئلة الخاصة كلما سنحت لهم الفرصة، يقتنصون الإجابات اقتناصاً، ويركزون فيها على التفاصيل من أجل غاية في نفوسهم… بعدئذٍ يقومون بعمليات التدوير والتأليف، فيعيدون النظر فيما رأوه وفق أهوائهم، ويحللون ما سمعوه بما يتناسب مع عقدهم النفسية، ثم يجهدون في صياغة الخلاصات المُوثّقة بشكوكهم، والمُؤكدة بخبثهم، والعاكسة لذواتِهم من أجل نشرها وتداولها بين الناس على أنها حقيقة اكتشفوها بخبرتهم وحنكتهم وذكائهم الخارق… لعلّ وعسى يصلون بهذا إلى بعض الرضى المزيف، والراحة المؤقتة، خصوصاً حين يسعون إلى تصوير الناس في نشراتهم على أنهم أصحاب رذيلة… أفعالهم شاذة وغير مقبولة… بينما هم أصحاب الفضيلة والتقوى؟!
إن الهدف الرئيسي من كتابة هذا المقال هو توجيه رسالة واضحة لذلك النوع من البشر مفادها أن باستطاعتكم ارتداء قناع الطيبة والنقاء الذي يمكنكم مِن خداع مَن حولكم لبعض الوقت، ولكن ما تجهلونه أن هذا القناع لا بد أن يسقط، فالممثل المحترف لا يمكن أن يتقمص الدور الذي يؤديه كل الوقت، لأن تصرفاً واحداً يسقط سهواً قد يؤدي إلى كشف ستركم وإعادة النظر في كل أفعالكم ويضع النقاط على بعض الحروف التي تعذّرت قراءتها في وقتها، بالإضافة إلى جلاء صورة دواخلكم القاتمة، عندئذٍ تصلون إلى نهاية طريق لا عودة لكم منه. فالوشم الذي يحفره الذهن لا ينمحي. والنتيجة الحتمية لكل هذا هي خسارة أناس كان عليكم عدم المغامرة بخسارتهم، فبعض الخسارات لا يمكن أن تُعوض، وبعض الأخطاء لا يمكن أن تُصحح … والثقة حين تذهب لا يمكن أن تعود!
إن الإضاءة على عيوب الناس لن ترفع من قدركم حتى لو عددتم حسناتكم التي تميزكم عن باقي البشر، لأن من يملك المزايا الطيبة والأخلاق الرفيعة والتربية الصالحة لا يتكلم عنها من خلال الانتقاص من قدر الآخرين والضرب في أخلاقهم وتربيتهم والتشكيك في تصرفاتهم. وما تجهلونه أنكم بإطلاق الانتقادات المؤذية للناس… تقومون بالإضاءة على عيوبكم وتنبهون الناس إليها وتفتحون عيونهم فيراقبونكم ويكشفون سوءاتكم ويتكلمون بها من وراء ظهوركم تماما كما تفعلون وربما أكثر لكثرة عيوبكم…!
وما أودّ إضافته أيضا أن أولئك البشر السابق ذكرهم إن اكتشفوا أو ظنوا أن الآخرين ينعمون ببعض الخير لأن رصيدهم الفعلي في هذه الحياة هو الرضى. وحياتهم مستقرة لأنها مكللة بالقناعة. وأعمالهم ناجحة جراء جهدهم وإصرارهم. وأوضاعهم حسنة نتيجة مثابرتهم. وإنجازاتهم تحققت بجدارة ولم تهبط عليهم من السماء… نجدهم تضيق قلوبهم، فيتملكهم الشعور بالغيرة والحسد ويتمنون لأنفسهم ما عند غيرهم حتى لو ملكوا أضعافاً مضاعفة، أو ربما يتمنون زوال النعمة عنهم ويستكثرونها عليهم. ففقراء النفوس وإن كنزوا المال عيونهم على قليل القانع، ويؤرقهم رغيف الفقير…
وأخيراً… لا بدّ من الإشارة أن ما جاء في هذا المقال لا يشمل جلسات الأصدقاء والأقارب حين يتبادلون الأخبار المضحكة والانتقادات الطريفة التي لا حسد فيها ولا إيذاء، بل هو موجه لفئة محددة من البشر… الفئة التي تفلت لسانها فيبث السموم، فتلوكها الألسن دون رحمة.
غضوا النظر… وانظروا في شؤونكم… !!
د. منى الشرافي تيم
التنبيهات: “يا عين للناس عيون… فكلك عورات وللناس ألسن” | منى الشرافي تيم