المرأة والتحرش الجنسي في سوق العمل

     لقد مارستْ المرأةُ العربيةُ عبرَ التاريخِ أدواراً رائدةً, مما جعلَ لها خصوصية تفوقتْ فيها على نساءِ العالمِ. فلو نظرنا إلى تاريخِ المرأةِ العربيةِ, نجدُ أنها تميزتْ بتأثيرِها في جميعِ مجالاتِ الحياةِ.

     أما المرأةُ العربية اليوم وعلى الرغم من كلِ المراتب والمراكز والدرجات العلميةِ التي وصلت إليها. إلا أن السجالَ حولَ وضعِها الاجتماعي والعلمي والسياسي لا يزالُ واسعاً. فالمرأةُ تعاني العديدَ من المشكلاتِ والمضايقاتِ والضغوطاتِ النفسية والبدنية, التي تواجِهُهُا في سوقِ العملِ,  وهي ضريبةٌ تدفعُها المرأةُ… ثمنَ فِعاليتِها وكفاءتِها وحاجتِها. ومن أبرزِ هذه الظواهرِ, هي ظاهرةُ التحرشِ الجنسيِ بالمرأةِ أثناءَ تأديتِها وقيامِها بعملِها, وهذه الظاهرةُ هي سلوكٌ غيرُ أخلاقيٍ وشكلٌ من أشكالِ القهرِ الذي يمارسُ ضدهَا, وله مضاعفاتٌ اجتماعيةٌ ونفسيةٌ خطيرةٌ.

     لذلك من الضروريِ أن تحظى قضية التحرشِ الجنسيِ بالمرأةِ على إضاءة واهتمام كبيرين من قبلِ الدولِ والحكوماتِ والقضاءِ والمجتمعِ والأفرادِ, وهذا الأمرُ يعودُ إلى ما تتمتعُ به المرأةُ من رفعةٍ بدعمِ  الدياناتِ السماويةِ الثلاث, التي أعلت من شأنِها وحفظتها ومنحتها الكرامةَ والعزةَ والمكانةَ والكثيرَ من القيم والاحترام.

     وواجبنُا اليومَ الخروجُ من حالاتِ الخوفِ والصمتِ والترددِ ومناقشةِ موضوعِ التحرشِ الجنسيِ, وعرضهُ على العلنِ كي لا يبقى وزراً تتحملُه المرأةُ بصمتٍ, خوفاً من الفضيحةِ وتلويثِ السمعةِ, وكلُّ ذلك بسببِ أصابعِ الاتهامِ وأحكامِ المجتمعِ القهريةِ التي ستشيرُ إليها في الدرجةِ الأولى وتُلقي اللومَ عليها متذرعين بمختلفِ الذرائعِ. فالظلمُ الاجتماعيُ والتحرشُ الجنسيِ بكل أشكالهِ هو من أبشعِ صورِ الانتهاكِ لحقوقِ المرأةِ وكيانِها. ويجبُ العملُ على الخروجِ من نفقِ التخلفِ الاجتماعيِ المظلمِ, الذي يجعلُ من مناقشة ظاهرة التحرشِ الجنسي, الذي يمتهنُ كرامة المرأة “تابوهاً” محرماً. وأكبرُ دليلٍ على تحريمِه هو قلةُ البحوثِ والقوانينِ التي تخوضُ هذا الموضوعَ أو تختصُ به .

     أما أشكال التحرش الجنسي بالمرأة فهي عديدة, فمنها كلمات أو تعليقات لفظية مغلّفة بعبارات الغزل, ودعوات ونظرات ذات دلالات جنسيّة, بالإضافة إلى الملامساتٌ الجسديةٌ والإيحاءاتٌ الجنسيّة.

     وأسباب انتشار ظاهرة التحرش الجنسي بالمرأة, تعود إلى سلبيتها وتجنبُها الحديث أو الإبلاغ عن تعرضِها  للتحرشِ الجنسيِ, الذي قد يعتبرهُ البعضُ موافقة ضمنية منها, وهذا من شأنِه أن يضيّق الخناق عليها ويفاقم مشكلاتها ويعمل على انتشارها والتمادي فيها. كما أن خشية المرأة من فقدانِ عملِها, يجعلُها تتحملُ كل ما يصيبُها من أذى نفسي ومعنوي ومادي وكل ذلك في ظلِّ حاجتِها إلى المال والوظيفة, أو قد يؤدي إلى انهزامها وتخليَها عن عملِها وعودتها إلى بيتِها رغبةً منها في حمايةِ نفسِها, فقد تولّدُ عمليةُ التحرشِ الجنسيِ بها إلى انعدامِ ثقتِها في الآخرِ, وانتفاءَ شعورِها بالأمنِ والأمان الشخصيِ والنفسي. وأخطر هذه الأسباب هو عدمُ وجودِ نص قانوني خاص يحمي المرأةَ وينصفُها, بالإضافة إلى عجزها عن إثباتِ تعرُضها للتحرشِ الجنسيِ, وشعورها الدائم بكونِها كائناً ضعيفاً, يتقهقر أمامَ الرجل.

     لذلك يجب العمل على إيجاد حلول جذرية من شأنها أن تحمي المرأة, منها على سبيل المثال, إقامة دورات توعوية تشمل كلاً من الجمعيات الاجتماعية والمؤسسات والشركات والجامعات والمدارسِ, ويكونُ هدفُ هذه الدوراتِ, غرسَ فكرةِ أن المرأة كائن قوي قادر على الدفاعِ عن نفسهِ وعن كرامته, وتُدربها على سرعةِ التصرفِ والمواجهةِ, وتشجعُها على الإبلاغِ عن أفعالِ التحرشِ, ورفعُ مستوى الوعيِ لديها بأشكالِ التحرشِ وأنواعه والإضاءة عليه, ليتحول دورها من الصامت السلبي إلى الفاعلِ الإيجابي, بالإضافة إلى تأسيسُ مراكز خاصة تستطيعُ المرأةُ اللجوءَ إليها في حالِ تعرضِها للتحرشِ الجنسيِ, وتتضمنُ هذه المراكز لجاناً تقوم بالتحقيق الجديِّ والفاعلِ, وتحرصُ على عدمِ التهاونِ في أي بلاغٍ يصلُها. والتركيز على الدورِ الجوهريِ والأساسيِ للمؤسساتِ الإعلاميةِ, المرئيةِ والمكتوبةِ والمسموعةِ من خلالِ القيامِ بحملاتِ التوعيةِ, وإجراء تحقيقاتٍ ومقابلاتٍ داخل أماكن العمل, يكون هدفُها تحديد مقاييسِ حالات التحرش الجنسي ومعاييرِه, والتأكيد على  شرحها وإحصائها وعرض حالات حيّة عنها. وضرورة تدخّل القضاء واعتبار التحرش الجنسي بالمرأة العاملة وغير العاملة جريمة يجب أن يُعاقبَ مرتكبُها.

    للمرأةِ دورٌ جوهريٌ يقومُ عليه المجتمعُ, فبها يرتقي ويسمو. فهي الأنثى صانعةُ الرجالِ, وكونُ الأجيالِ, وملهمةُ العقولِ. وصلاحُ الرجلِ فيه صلاحُ المرأةِ, وصلاحُها صلاحُ المجتمع.

   ما أحوجَنا اليومَ إلى زلزلةٍ فكريةٍ وثقافيةٍ واجتماعيةٍ من شأنِها أن تغيرَ الطبائعَ كي يتمَّ إصلاحُ المجتمعِ. نحن في أمسِّ الحاجةِ إلى تسخيرِ طاقاتِ الجنسينِ كي ننهضَ بمجتمعاتِنا وأوطانِنِا ونقضيَ من خلالِها على الخيوطِ السامةِ والآفاتِ الاجتماعيةِ التي تحدُّ من تطورِنا وازدهارِنا.

منى الشرافي تيم

الرجاء ترك تعليق