الثقافة لسان الشعوب الناطقة.. تحمل دعوات التلاقي والتحاور والتعارف، هي تعبِّر عن الأصالة الإنسانية الخيّرة، في مدِّ جسور الاطلاع، وبناء قلاع المعرفة، وتشييد صروح التطور العلمي.
الثقافة لا يمكن أن تكون حكراً على أحد، أو موجّهة لفئة دون الأخرى.. فهي بكل ما تعنيه تدعو للتفاعل والتبادل والتعارف، ولا قيمة للمجتمع البشري بل لا مستقبل له في ظل التباعد والنفور والتقوقع.
والثقافة هي السلاح السلمي الذي لا يهدِّد ولا يتوعّد ولا يُرهب. هدفه بناء المجتمع الحضاري القائم على التفاهم وتوفير الحياة الكريمة لكل شعوب الأرض المحبة للحق والعدل والسلام.
إن الثقافة تهدف إلى تحديد ذات الإنسان وعلاقته بنظرائه من بني البشر، ومع الطبيعة بكل ما يجيش فيها من حركة نماء وازدهار وتصوّر كحال فصولها الأربعة بكل مزاياها التي تدهش العقول وتحيِّر النفوس.
الثقافة حالة إنسانية تكتسب من كل ما يدور حولنا، فهي صقل للنفوس، وتهذيب منطقها، وتأييد فكرها، وتقوية حججها، وإنارة طريقها، ورفع مستواها الإنساني والحضاري. هي جزء لا يتجزأ من الكيان الإنساني الذي ينمو ويتطور كل يوم بوساطة كل ما تقدمه له الحضارات والمجتمعات البشرية من ثمار عقول أبنائها، ونتاج عمل مصقول بالخبرة والتجربة والكفاءة، بالإضافة إلى الإرادة الصلبة والتصميم الأكيد والطموح الذي ليس له حد أو حدود.
والبناء الثقافي القوي له ركائز محددة وضرورات ومستلزمات لا بد من اتباعها عن طريق مخططات عمل وبحث منظم، والتقيد بأفكارها، تدرجاً وتسلسلاً وترابطاً وصولاً إلى تحقيق الغاية المقصودة.
وتتجلّى مهارة المثقف في قدرته الفائقة على المزج بين أنواع الثقافات المختلفة ثم صياغتها بأسلوبه الخاص، ملونة بألوان فكره وتوجهاته وأهدافه.
وتظهر أهداف المثقف في ترويج المعرفة بين الناس، وتسهيل وصولها إليهم على صفحات شهيّة، وبطريقة واضحة، يجدون فيها متعة الاطلاع والقراءة. والثقافة أنواع كثيرة، منها وأهمها الثقافة الحية بالقيام بالزيارات واللقاءات والحوارات عن طريق إنشاء صالونات ثقافية ونوادي للقراءة ومناقشة الكتب والاستماع إلى المحاضرات وحضور الندوات الثقافية. ومنها ثقافة التخصص كالإعلام، ودوره الجوهري في نشر الثقافة، وفي هذا الأمر لا بدّ للإعلامي من أن يجول بعقله ونظره وأحاسيسه في كل المواضيع الاجتماعية.
إن المثقف كالعصفور ينتقل من مكان إلى مكان آخر، يلتقط الحب من كل الأجناس والأنواع؛ وهو كالنحلة تُحسن انتقاء الأزهار الحيّة النضرة، لترتشف منها رحيقها من كل بستان أو بيئة الطبيعة الغنية.
وثقافة العصر لم تعد ثقافة محصورة أو محاصرة، فقد تفلّتت، وتجاوزت كل التقديرات والتصورات وأصبحت حقاً لجميع البشر، صغيرهم وكبيرهم، جاهلهم ومتعلمهم، لا ترتبط بزمان أو مكان؛ إنها كالمأكل والمشرب والطبابة والتعليم والحياة، حقائق أساسية ما عاد أحد قادراً على تجاوزها أو هضمها. وقد كان للتطور العلمي الهائل الذي أصاب البشرية في العصر الحديث فضل انتشار الثقافة، ثقافة المعرفة، من غير حدود تحدّه. فالتلفزيون والحاسوب اليوم، والراديو والجرائد من قبل، أسهموا إسهاماً لا يُقدَّر في اتساع عالم المعرفة والثقافة.
إن ثقافة العصر تفرض عرض الحقائق والوقائع كما هي في صورتها الطبيعية الحقيقية، من غير تزييف أو محاولات تمويه. فقد أصبح بيد كل شاب وشابة، وكل إنسان في أي مكان على سطح الكرة الأرضية المقدرة على اختراق حجب الجهل والتخلف، وصولاً إلى عالم المعرفة والحقيقة، عبر استخدام الإنترنت، وسيلة الاتصال المباشر بعالم المعرفة.
لقد أصبحت الثقافة حقاً لكل الأفراد والشعوب بعد أن كانت امتيازاً طبقياً خاصاً بالأغنياء؛ وأصبحت عاملاً مهماً من عوامل توحيد الأفكار بين البشر بعد أن كانت من عوامل التفرقة فيما بينهم؛ كما أصبحت تسير وفق مخططات تستهدف أسمى القيم الإنسانية، بعد أن كانت سلوكاً خاصاً ونشاطاً حراً بغير تنظيم، يميل إلى التقدم مرة، أو ينحرف نحو التأخر مرة أخرى.
والكتاب وسيلة التقدم العلمي، والرقيّ الثقافي والتطور الحضاري، والترابط البشري، ومؤونة كل حقل راجح، وهو من اقدم وسائل الاتصال بين البشر ولا يزال في موقعه المتقدم من غير منافس حقيقي، ومن واجب الدول وحكوماتها توفير طباعته بأرخص الأثمان. فالثقافة يجب أن تكرّس كحالة اجتماعية أساسية بين الناس، وأن يبدأ العمل على توفيرها وتحقيقها والتدرب على منهجيتها في تقديم أنواع المعرفة وكيفية الاستفادة منها، منذ الصغر ونعومة الأظفار، مما يُزرع اليوم يُحصد في الغد القادم، تطبيقاً للقول المأثور: “مَن شبَّ على شيء شاب عليه”.
إن كل مؤسسات الدول الحكومية والخاصة، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية مطالبة بإلحاح شديد، بضرورة الاهتمام بنشر الثقافة ومواجهة سياسات التجهيل الظاهرة والخفية؛ بأساليب مشوقة جذابة، تُزيح النعاس عن عيون النائمين، وتطرق عقولهم بأنغام سحرية أن هُبّوا من نومكم، فمستقبلكم ومستقبل أولادكم في ثقافة المعرفة، أساس بناء المستقبل المشرق.
وأخيراً…
يمكن إنتاج عدد من البرامج التوعوية والكليبات القصيرة كفواصل دعائية لأفكار تنويرية إيجابية لتُعرض كفواصل وسط أكثر البرامج شعبية وجماهرية.
إننا اليوم نعود أدراجنا وبملء إرادتنا إلى زمان الجهل والأمّيّة, حيث يبحث الناس في الكتب والمجلات عن الصور…؟!
أصبح من الضروري اليوم التعامل مع الثقافة وكأنها سلعة ثمينة يجب الإعلان عنها لترويجها ووضعها في طريق الناس كي يصطدموا بها رغماً عنهم. والأساليب الترفيهية هي من أنجح الأساليب لإيصال الثقافة إلى الآخرين!!!
والسلام وتحقيق التطور البشري، والنفور من ظلمات الجهل والتعصب والتخلف إلى بناء صرح الإنسانية القادر
منى الشرافي تيم