المرأة العربية وعلى الرغم من كل المراتب والدرجات العلمية التي وصلت إليها, إلا أنها لا زالت تحمل وزر الفساد في العالم العربي. والسجال حول وضع المرأة العربية والمسلمة لا يزال واسعاً, فهي من وجهة نظر العالم الذكوري الشرقي تحمل خطيئة البشرية, وهي محور الشر وعنوانه.
والمضحك المبكي هو حين نستمع إلى رجال الدين في خِضمّ الاعتداءات الصهيونية الدموية على أطفال غزة, والمجازر التي تحدث في العراق, نجدهم بدل أن يطالبوا بتوحيد الصفوف والكلمة لصد المعتدين, يدفنون رؤوسهم في التراب وكأن شيئاً لا يحدث, أو كأن الواقع العربي في أفضل أحواله. والمشكلة محصورة فقط في فساد المرأة وسفورها, فنراهم يلقون باللائمة عليها, كونها السبب في إنحلال المجتمعات العربية وتأخرها وتقهقرها. وعلى اعتبارها سبب فساد الرجل. ولو أمكنهم لردوا المرأة إلى البيت, وغلّقوا عليها الأبواب, وعزلوها عن الدنيا, واجتاحوا كيانها الشخصي والمعنوي باسم الدين, الذي كرّمها ومنحها الكثير من القيم وأعلى شأنها ومكانتها. هم يضيّقون على المرأة النَفَس, ويحللون لأنفسهم ما يحلو لهم.
الزنا والعهر والانفلات الاجتماعي مرتبط بعريّ المراة وتكشّفها الذي يجر وباله على الرجل المسكين ويدفعه إلى ارتكاب الخطايا والمعاصي. هو يحق له الزواج مثنى وثلاث ورباع من غير مسوّغ. أو حتى الزواج من فتاة لم تتجاور العاشرة من عمرها, ويحلل لنفسه المتعة والمسيار والعديد من المسميات التي تسمح له استباحة وتحليل الزنا. وكل هذا من حقه, فهو رجل مقهور!!
يريدون المرأة العربية محجوبة منقبة منقادة, ومتوفرة فقط لتلبية رغباتهم الجنسية, ووعاء للإنجاب, وممنوع عليها إبراز مكنوناتها وجوهرها وفكرها إلى الوجود. وبنظرهم لا تُحفظ المرأة إلا بتذليلها وتجهيلها واستعبادها وحرمانها حريتها وحبسها في بيتها, على اعتبار أن الحجاب والانسحاب الكلّي للمرأة من الحياة العامة, دليل على شرفها وحفظ لكرامتها. وتبرّجها عنوان للفتنة وخروج عن الدين, ويؤدي إلى العار والرذيلة.
أثبتت الأيام أن صون المرأة ووقارها لا يتأتى من إسدال خمارها. وحريتها وكرامتها ليس بالتبذل والعري والسفور غير المسؤول.. وأثبتت المرأة العربية عبر العصور مكانتها الجوهرية التي يقوم عليها المجتمع, فبها يرتقي ويسمو. فهي الأنثى صانعة الرجال, كون الأجيال, وملهمة العقول. وصلاح الرجل فيه صلاح المرأة, وصلاحها صلاح المجتمع.
تحوّلت المرأة العربية اليوم بفعل الرجل الشرقي الذي يهدد ويتوعد بالزواج أو الطلاق أو الهجر, إلى كائن يسعى بكل الوسائل والأساليب إلى مجاراته والتفوق عليه. وبدأت تستخدم وسائل الانتقام منه بتقليده, وتحلل لنفسها ما يحلله لنفسه. ومن النساء اليوم من تمادين في اقتناء مفهوم الحرية الخاطئ حتى وصلن إلى الابتذال الذي لا يمنحهن قيمة, بل يمتهن مكانتهن وقدرتهن على أن يثبتن أنفسهن. وامرأة اليوم التي يشتكي منها الرجل هي من صنعه, فقد تمادى في إذلالها, فأتت ردة فعلها أن تنازلت عن كينونتها ودورها الحقيقي في المشاركة في بناء المجتمع وقيامته, وآثرت التمسك بالقشور الاجتماعية البالية لتثبت أنها موجودة وقادرة على التحدي وإحداث التغيير, ولكنه للأسف تغيير سلبي, بل مدمر أحياناً.
اليوم وقبل المناداة بإصلاح المرأة رمز الفساد والتخلّف. يجب على العالم العربي والإسلامي الابتعاد عن القشور والدخول إلى معترك القضايا الجوهرية التي تعاني منها مجتمعاتنا, وهذا لن يتم إلا بثورة وزلزلة فكرية من شأنها أن تغيّر الطبائع كي يتم إصلاح الجمهور, فهناك قضايا اقتصادية واجتماعية وتربوية وثقافية وسياسية, تقف حجر عثرة أمام تقدم المجتمعات العربية وتطورها وتقدمها ونهضتها, ودور المرأة فيها لا يقل عن دور الرجل في كثيرٍ منها.
نحن في أمسّ الحاجة إلى تسخير طاقات الجنسين للقيام بأعمال جليلة تنهض بنا وبأوطاننا وتقضي على الخيوط السامة الخبيثة التي تحاك ضدنا, وتسعى إلى تدمير صورتنا وهُويّتنا, بل وجودنا.
منى الشرافي تيّم