بيروت عاصمة عالمية للكتاب؟؟؟

     المعرفة هي غداء الروح, وفلسفة الحياة التي تنير العقل المفكر وتنبّه الذهن اليقظ, تتغلغل في كنّه النفوس لتخترق عوالم السكون وتضيء عتمة ضيق العيش, أفقها واسع لا تحدها حدود ولا تقيدها الأطر التي تفرضها أيدٍ خبيثة تهدف إلى النيل من كياننا ووجودنا. وللمعرفة قدرة فائقة تمزج بين الثقافات وتصيغها بأساليب متنوعة, تظهر القدرات, وتحلّق في فضاء الإبداع, فتلوّن الفكر وتصقل الشخصية, وتمدّ الكفاءات بكل مظاهر التميز وسعة الاطّلاع, هي ذلك الشعاع الذي يتحدى كهوف الظلام.

     في الرابع والعشرين من نيسان 2009 قامت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) باختيار بيروت عاصمة عالمية للكتاب لتكون تاسع مدينة حملت هذا اللقب, وانتهت فعالياته في الثاني والعشرين من أيّار 2010.

     حفلت بيروت أثناء هذه المرحلة بالعديد من المناسبات والنشاطات الأدبية والفكرية التي عبّرت عن الانفتاح على العالمية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم…بعد أن حضنت بيروت في ربوعها لقب” بيروت عاصمة عالمية للكتاب” لمدة تجاوزت العام, ما هو الواقع الثقافي الذي ورثه لبنان بعد هذا الحدث؟ أين نحن من الكتاب؟ ولمن يكتب الكتّاب؟ وما هو دور الإعلام في نشر الثقافة؟

     أسئلة كثيرة تتوارد إلى الذهن وتفرض نفسها…والإجابات عنها متعددة…

     الكتب على رفوف المكتبات, وأقلام الكتّاب ما زالت تنبض بحروف من نور, قيّدها ضيق الفكر المتأصّل في خبايا النفوس…وهذا  الواقع المؤسف  حوّل الكاتب عن رسالته الحقيقية السامية التي تبذر قيم الحقّ والجمال, وأبعده عن قضاياه التي تخدم المجتمعات البشرية, لم يعد قلمه يحمل دعوات التلاقي والتحاور وتشييد صروح التطور والمعرفة.

     والناشر, لا ينشر الكتاب لقيمته الفكريّة أوالعلميّة, بل لقيمته الماديّة, حتى لو كانت مادة الكتاب تحمل الفساد الأخلاقي والتزييف وصور التّمويه المضلّلة.

     والكتب الأكثر رواجاً ومبيعاً هي تلك التي تحمل في طيّات صفحاتها الرذيلة والفضائح والجنس المبتذل والسياسات المتطرفة والشذوذ…إننا اليوم نسير وبخطىً ثابتة ومتسارعة لنشر ثقافة التجهيل بصورها الظاهرة والخفيّة, والتي تحرّم علينا امتلاك السلاح السلميّ الذي لا يهدد ولا يتوعد ولا يُرهب, وتغرقنا في ظلمات الجهل والتعصب والتخلّف.

     هل ترك لقب بيروت عاصمة عالمية للكتاب أثراً واضحَ المعالم على الواقع الثقافي في بيروت؟ والذي يتجلّى في اتخاذ قرارات واتّباع سياسات تدعم الثقافة, وتهدف إلى ترويج المعرفة بين الناس وتسهيل وصولهم إليها بطرق جذابة تشعرهم بمتعة الاطّلاع والقراءة, عن طريق تفعيل الحوارات واللقاءات, وإنشاء منتديات ثقافية ونوادٍ للقراءة ومناقشة الكتب والاستماع إلى المحاضرات, وحضور الندوات الثقافية التي تمكّن الإنسان العادي أن يكون له دور فعال فيها.

     ولا بد هنا من الإشارة إلى الدور الجوهري للإعلام المرئي والمقروء والمسموع في نشر الثقافة وتعميمها عن طريق إنتاج عدد من البرامج التوعوية التي تلفت نظر المواطن إلى الخطر الذي يُحدّق به وبمستقبله ومستقبل وطنه وأولاده من سياسة التجهيل التي تسير بنا إلى المجهول وإلى الثقافة المزيفة, ثقافة قلب الحقائق.

     والجدير ذكره أنّ عدداً كبيراً من الناس لم يعرف أن بيروت كانت عاصمة عالمية للكتاب لمدة تجاوزت العام…؟! نعم, هي قضية خطيرة تقع على عاتق المواطن الذي تنازل عن حقه في المعرفة, وعلى عاتق الحكومات ووزارات الثقافة التي لا ترى في التطور المعرفي ضرورة حتميّة, ولم تعمل على ابتداع طرق تصبح فيها الثقافة مرغوبة وجزءاً أساسيا من حياة الإنسان. والبناء الثقافي القوي في ركائزه, الواضح في توجهه لا بد له من ضرورات ومستلزمات تجعله عامراً بأصحاب العقول الذّكيّة وروائع الكتب, والأفكار المنظمة.

     ينبغي أن تُكرّس الثقافة كحالة اجتماعية أساسية بين الناس, فهي ليس حكراً على أحد, أو موجّهة لفئة دون الأخرى, لأنها لسان الشعوب  وصقل للنفوس وتهذيب للمنطق. والكتاب لا زال وسيلة التقدم العلمي, والرقيّ الثقافي والتطور الحضاري, وهو من أقدم وسائل الاتصال بين البشر ولا يزال في موقعه المتقدم من غير منافس حقيقي, ومن واجب الدول وحكوماتها توفير طباعته بأرخص الأثمان.

     إننا اليوم نعود أدراجنا وبملء إرادتنا إلى زمان الجهل والأمّيّة, حيث يبحث الناس في الكتب والمجلات عن الصور…؟!

     أصبح من الضروري اليوم التعامل مع الثقافة وكأنها سلعة ثمينة يجب الإعلان عنها لترويجها ووضعها في طريق الناس كي يصطدموا بها رغماً عنهم. والأساليب الترفيهية هي من أنجح الأساليب لإيصال الثقافة إلى الآخرين!!!

                                                                                                              منى الشرافي تيّم

الرجاء ترك تعليق

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s