لمَ استبعاد “وجوه في مرايا متكسرة”؟!

منى الشرافي تيم…

روايتي “وجوه في مرايا متكسرة” الصادرة حديثا في بيروت, عن الدار العربية للعلوم ناشرون, كانت من بين الروايات والكتب الكثيرة التي تم استبعادها من معرض الكويت الدولي دون تقديم أسباب مقنعة, والمؤلفون في معظمهم كتّاب أكثر قدرة مني, وروايتي بالمقارنة مع أعمالهم, متواضعة جدا. وأنا أحترم قرار القيمين على المعرض ولن أعترض, وعدم اعتراضي لا يمنعني من الاستغراب والتساؤل, فلكل كاتب أو دار نشر الحق في معرفة أسباب المنع والاستبعاد.

يتبوأ اليوم الثالوث المحرّم: الدين..الجنس..السياسة..في الرواية العربية درجة مرتفعة, تكاد ترسم نهجا جديدا لمسارها, وركيزة أساسية في بنائها وتكوينها. وهناك خيط رفيع يفصل- بين أسلوب الإبداع الراقي في رسم الوقائع, والأحداث السياسية والاجتماعية والإنسانية والتربوية, التي هي جزء لا يتجزأ من الواقع الإنساني, وثأثيرات الحياة والمجتمع التي تجعل من الإنسان لعبة الظروف والقدر, وكل هذا في سبيل تحقيق مستقبل مشرف, ومجتمع سليم يتقبل الفكر الآخر في عصر الانفتاح والتعددية- وبين تناول الثالوث المحرم, من خلال:

– الولوج في الدقائق السياسية التي تثير العصبيات الطائفية والنزاعات والخلافات والاضطرابات, التي تعمل على تأجيج الحروب.

– التركيز على الصبغة الجنسية المبتذلة وتجاوزها إلى الشذوذ غير الإنساني وإشاعة ثقافة جنسية ساقطة تفتح أبواب الرذيلة.

 – تشجيع التطرف الديني والتشدد والدعوة إلى الإرهاب,وكل هذا من شأنه أن يدخل البشرية في أنفاق من الظلامية. أو التطاول على الأديان والعقائد والموروثات, من خلال   تجاوز حدود المحرمات. وكل هذا كوسيلة سريعة للجذب والاستمالة أو من أجل تحقيق شهرة سريعة.

روايتي “وجوه في مرايا متكسرة” لم تطرق أبواب الثالوث المحرم ولم تهدف إليه. فهي رواية واقعية اجتماعية مليئة بالأحداث والوقائع, التي يمكن الاهتداء من خلالها إلى الواقع والخيال معاً. إنها تحمل بين ثناياها رسالة إنسانية تنبع من المجتمع..لأنه مادتها وتُهدى إليه, وهدفها الإضاءة على السلبية في سبيل الإيجابية, وإضاءة على الإيجابية لتكون حافزاً ومثالاً يُقتدى به. لقد نَسَجَتْ خيوطَ هذه الروايةِ، أحداثٌ كثيرةٌ عَبَّرَتْ عنها شخصيّاتُها التي لعبَتْ أدواراً جوهريّة في تجسيدِ صورةِ المجتمع.. بإيجابياتِهِ وسلبياتِه.. الترابطِ الأُسريّ..أحكام المجتمع الاستباقية.. الجريمةِ..المخدرات.. الحبِّ والعشقِ.. الخيانة.. الاغتصابِ وتأثيراتِهِ الكارثيّة.. اغتيالِ الحقِّ.. الوفاءِ.. الطّمَعِ..البطالة. وقد عملت “وجوه في مرايا متكسرة” على توظيف حميمية المشاعر على نحو فني وفاقاً لنظرية الفن للفن, وكثرت فيها المواقف الرومانسية والمحطات الوجدانية, التي هي في حقيقتها ضرورة وقيمة بشرية لإحياء المشاعر الإنسانية واستمرارها. وسياسياً..انتقدت الرواية الطائفية والحزبية من خلال قضايا مجتمعية, لها تأثيرها السلبي المباشر في الأفراد والجماعات, كما رفضت الرواية التناحر والتشرذم وأكدت  خطورة فقدان الأمن والأمان, الذي من شأنه أن يروّج للجريمة والانفلات. رواية وجوه في مرايا متكسرة, هي أحداثُ عامٍ كامل، تبدأُ برأسِ السّنة، وتنتهي في رأسِ السنة. فالعامُ منْ عُمْرِ الإنسانِ, فترةٌ زمنيةٌ قد تمرُّ بسرعةِ البرق، فَنُخْبِرُ بعضَنا بَعْضاً، أنَّها مرَّتْ دونَ أنْ نشعرَ بها.. ولكنْ، حينَ نستعرضُ شريطَ أحداثِها، نكتشفُ أنَّ هذا العامَ قد حملَ عُمْراً منَ التقلباتِ الجذريّة التي لعبَتْ دوراً في تغييرِ مجرى حياتِنا.

نحن المجتمعات العربية, نطالب بتفعيل حوار الثقافات والحضارات, ونصرّ عليها في خطبنا وكتبنا ومقالاتنا وفي كل المناسبات, وفي المقابل نرفض الانفتاح الفكري المتحضر في حوارنا فيما بيننا. الاختلاف سنة كونية تدعو للتفاعل والتكامل وتبادل الأفكار للارتقاء بالسلوك الإنساني وتأكيد قيمه. والتركيز على ضرورة التعددية الفكرية والتنوع الحضاري.

ورسالتي في رواية “وجوه في مرايا متكسرة”, رسالة عطرة عابقة بشذى الربيع, فيها بسمات عريضات وآمال كبيرات…هي رسالة قلب متوهج بإشراق الأمل والطموح والمعرفة والاطّلاع. أكشفها بإسلوبٍ فيه لمسة أنثوية:

مجنونة هي الأيام..سريعا تمر وتمضي..نتحسر عليها ونناديها..وهي لا تزال تتفلّت من أيادينا..لن تعود؟! ومهما لهثنا وراءها فإنها ستسبقنا.

لنتوقف الآن وننسى ما فاتنا من أيام, ونحضن غداً, ربما هو آتٍ وليس ببعيد..ولننجز ما تمنيّناه في الأمس القريب, كي لا يتحول الغد إلى يوم يزيد الأيام الهاربة عدداً جديداً, فنتحسر من جديد.

روايتي تقول للمرأة: “لا تتنازلي عن الثمين الغالي بالبريق العاري”. وتقول للرجل: “تواضعك قوتك, نزاهتك عدّتك, حكمك عدلك, ابق الكبير الكبير”.

وأنهي مقالتي بتأكيد ما جاء به بعض النواب والصحافيين والمفكرين الكويتيين الذين وقفوا ضد قرارات المنع وحرصهم على أن: “لا يدرج اسم الكويت ضمن الدول المقيدة للحريات, خصوصا حرية الفكر والرأي ولا بد من إفساح المجال لجميع الآراء والأفكار, والقارئ لديه القدرة على الرقابة الذاتية ويميز بين الغث والسمين”.

                                                                                                                                                                منى الشرافي تيم

1 Responses to لمَ استبعاد “وجوه في مرايا متكسرة”؟!

  1. أميرة كتب:

    حبيبتي والله يا دكتورة منى.. أنا تقريبا قريت أكثر من نص الرواية وقريب ان شالله راح اخلصها وصدقيني كل يوم ارجع البيت مشتاااااقة أكمل مكان نا وقفت فيها
    أسلوبج الجريء في الكتابة راااااااائع
    يشد الانسان لحقيقة تخفيها كلمات الـ ( عيب ) و ( عاداتنا وتقاليدنا)
    يمكن قد يراها بعض محدودي التفكير بانها تفتح عيونا على اشياء يرفضها مجتمعنا
    ومع الأسف هي اصلا واقع يخشى الناس التحدث فيه
    لكن صدقاً
    الرواية أكثر من رائعة
    وأسلوبج الجريء الراقي يخليني أعيش جو القصة وكاني اتابع فلم أو مسلسل أو حتى أعيش القصة نفسها

    شكراً لج وبانتظار المزيد

الرجاء ترك تعليق