المرأة…والتغيير

     يقول بلزاك: “المرأة مخلوق بين الملائكة والبشر”

     لقد مارست المرأة العربية عبر التاريخ أدواراً رائدة, مما جعل لها خصوصية تفوقت فيها على نساء العالم. فلو نظرنا إلى تاريخ المرأة العربية, نجد أنها تميزت بتأثيرها في جميع مجالات الحياة حتى العسكرية منها, فقد كانت تذهب مع الرجال إلى الحروب وتشجع المقاتلين, وتنشر في نفوسهم الحمية, وتداوي المرضى وتسقي العطشى.

     وعلى سبيل المثال لا الحصر, نجد أن المرأة في مصر القديمة تولّت الملك وورثت العرش, مثل الملكة جتشبسوت ونفرتيتي وكليوبترا. وفي بلاد الشام حكمت ملكات فاقت شهرتهن الرجال, مثل زنوبيا ملكة تدمر, وبلقيس ملكة اليمن. وكثير من النساء العربيات اتصفن بالفصاحة والفطنة ورجاحة العقل. وكُتب التاريخ زخرت بقصص النساء العربيات اللواتي أظهرن مدى وعيهن لواقعهن وإيمانهن بقدرتهن على إحداث التغييرات الإيجابية ودفع المفاسد والأخطار عن مجتمعاتهن.

     أما النساء العربيات اليوم, وعلى الرغم من كل المراتب والمراكز والدرجات العلمية التي وصلت إليها بعضهن , إلا أننا نجد أن الكثيرات قد تمادين في اقتناء مفهوم الحرية الخاطئ الذي لا يمنحهن القيمة والمكانة المنشودة التي تسعين للوصول إليها وإثباتها. فالصورة السلبية السائدة اليوم عند الكثيرين, أن النساء العربيات قد انصرفن عن تطوير أنفسهن, وشغلن أوقاتهن بالمناسبات الاجتماعية, والتجوّل في الأسواق والبحث عن آخر صرعات الموضة, والتباهي بارتداء الأزياء ذات الماركات العالمية التي تميّزها أثمانها الباهظة.  بالإضافة إلى عمليات التجميل التي أفقدت الكثيرات ملامحهن وخصوصياتهن, حتى أصبحن وكأنهن صور مكررة من بعضهن بعضاً. ولا بد هنا من الإشارة إلى أكثر الصور تشويهاً للمرأة وامتهاناً لكرامتها وكيانها, هي استخدام جسدها للإعلانات التجارية كسلعة استهلاكية مبتذلة ورخيصة. وكل هذا يشير إلى تنازل المرأة عن دورها الجوهري في المجتمع, وآثرت التمسك بالقشور البالية.

     والواقع الآخر الذي يفرض نفسه على المرأة العربية الناجحة, هو نظرة الرجل الفوقية  إليها, مما يجعل تبوؤها للمراكز العالية أو حضورها السياسي كوزيرة أو نائبة في البرلمان ضعيفاً. فكل الدلائل تشير إلى أنها تعاني الأمرّين لإثبات أنها تستحق المنصب, وخصوصاً من مرؤوسيها من الرجال الذين يشعرون بانتقاص في رجولتهم في إطاعتهم أوامر امرأة, مع العلم أن العمل هو مقياس التفاضل بين الناس ذكوراً كانوا أو إناثاً.

     وهدفي من هذه المقدمة الطويلة على وجه الخصوص هو إضاءة دور المرأة اللبنانية المهم والفاعل, كي تثبت مقدرتها على إحداث التغيير في جميع النواحي الحياتية, وحرصها الشديد على ملاحقة جميع التطورات التي يواجهها مجتمعها على كل الصعد والمستويات. وإصرارها على المطالبة بحقها وحق أسرتها بالأمن والأمان والاستقرار والطمأنينة.

     والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا تصمت المرأة عن حقوقها الطبيعية, وتقبل بإقصائها وتغييبها القسري عن الواقع السياسي, الذي يجعل من استقرارها وأمن أبنائها وأسرتها, فوهة بركان قابل للانفجار في أية لحظة ولأتفه الأسباب؟!

     لذلك ينبغي أن تُطلق النساء صرخة لا…!! وأن يعملن على تشكيل قوّة ضاغطة على أصحاب القرار, للقضاء على التبعية العمياء التي تهدد مستقبل الأجيال في البلاد. واتحاد النسوة سيشكل قدرة لا يستهان بها في قلب المعادلات السياسية والاجتماعية, ورفض الواقع المشوّه الذي يفرضه الفرقاء السياسيون والمحازبون, الذين يستخدمون أبناء هؤلاء النسوة وفلذات أكبادهن أدوات  تتم تغذيتها طائفياً وحزبيا ومذهبياً, والتي تفقدهم في كثير من الأحايين حياتهم بأرخص الأثمان ولأتفه الأسباب, وكل ذلك من خلال سياسات التجييش العاطفي والتغييب الفكري.

      المرأة هي المدرسة التي يتلقّى منها الأبناء دروس الحياة وتسعى إلى إعدادهم كي يكونوا أمل ومستقبل أمتهم, والرجاء الذي تنتظره أوطانهم. لذلك ينبغي أن تحرص المرأة على تطوير نفسها من خلال عقد الندوات والمؤتمرات التنموية التي تمكنها من صنع القرارات وأداء أدوارها بفعالية, والتأكيد على تواجدها على أرض الواقع كي ُيحسب لها حساب.

     أُنهي مقالتي بقول لفكتور هوغو: “ثمة شيء أقوى من جيوش العالم, ألا وهو الفكرة التي حان وقتها”.

                                                                            منى الشرافي تيّم

الرجاء ترك تعليق

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s