يتبوأ الجنس في الرواية العربية اليوم درجة مرتفعة, تكاد ترسم نهجا جديدا لمسارها وركيزة أساسية في بنائها وتكوينها.
إنّ من الكتاب والكاتبات من استطاع توظيف الجنس على نحو فني وفاق لنظرية الفن للفن, فموضوع الجنس حقيقة وضرورة وقيمة بشرية لإحياء المشاعر الإنسانية واستمرارها. وهناك خيطٌ رفيعٌ يفصل بين أسلوب الأبداع الراقي وبين أسلوب الانحراف والشذوذ الجنسي في تكوين الرواية العربية.
فالرواية إن لم تكن دعوة في سبيل تحقيق مستقبل مشرّف, ومجتمع سليم. يجب أن لا تكون وسيلة لتجاوز حدود المحرمات, وباباً من أبواب الرذيلة, ولذلك ينبغي أن تقف حرية الكاتب عند حدود حرية الآخرين.
وجعْل الكاتب موضوع الجنس الشائن محوراً أساسيا في روايته لجذب القارئ, لهو دليل نقصٍ في قدرته الإبداعية على خلق عنصر التشويق والجذب والاستمالة التي تقوم عليها الرواية. أو كوسيلة سريعة للشهرة.
والمؤسف أننا لا نكتفي بالصبغة الجنسية المبتذلة التي صبغت معظم رواياتنا هذه الأيام, بل نتجاوزها إلى الشذوذ غير الإنساني, وإشاعة ثقافة جنسية ساقطة. وما أن يصدر قرار بمنع مثل هذه الروايات في الأسواق, حتى يتهافت على شرائها الجمهور وترتفع نسبة مبيعاتها, وهذا يدل على أن النفس البشرية لديها توقٌ دفين إلى المحرمات.
ورواية ” ترمي بشرر” موضوع المقالة, للكاتب عبده خال, التي تدور أحداثها في مدينة جُدّة, هي التي حفزتني إلى الإمساك بالقلم بقوة, حين شعرت بالغيرة الشديدة على عروبتي وديني وثقافتي..شعرت بخيوط سامّة خبيثة تُحاك ضدّنا, وتسعى إلى تدمير صورتنا وهُوّيتنا, بل وجودنا؛ وحين بدأت بمطالعتها كنت أجهل ما ينتظرني…فهي رواية حازت على جائزة ” البوكر” العربية, وكنت أظنّ أنّ رواية كهذه, سوف تترجم إلى عدد كبير من اللغات.. ولا يمكن أن تمنح تلك الجائزة إلاّ لرواية تحمل التعبير الجميل, والجملة النافعة المؤثرة, والمعنى الجليل, والهدف النبيل, والمغزى العظيم, والمثل الصالح, والحكمة البليغة..في ثناياها وطيّاتها تجارب الأمم والشعوب والمجتمعات..في إضاءة على السلبية في سبيل الإيجابية, وإضاءة على الإيجابية لتكون حافزاً ومثالاً يقتدى به, وهذا ما نحن في مسيس الحاجة إليه, لأننا – نحن العرب – في كل إقليم من بلادنا العربية, نتعرض اليوم إلى هجمات متلاحقة ظالمة شرسة, هدفها تهميشنا وتهشيمنا, والقضاء على تاريخنا, وإلغاء قيمنا الأخلاقية والاجتماعية..إنها حرب شعواء, بارودها نوويّ يذيب ويُفني, وهدفه مَحْو آخر ما تبقّى منا وجوداً وأثراً.
وللأسف, فإن رواية “ترمي بشرر” تحتوي على هذا الإشعاع النووي المدمر..استخدم فيها كاتبها مصطلحات كثيرة, كالإجرام والقذارة والحقارة والدّنس والجسد الملطّخ بآثار الآثام, ثم لم يأنف من تكرارها مرارا. والمفاجأة أنّ للقذارة والحقارة صوراً وأوصافا لا تحصى, ولكن في هذه الرواية, تعجز عن وصفها كل المصطلحات والكلمات الموجودة في قواميس أية لغة من لغات العالم ومعاجمها.
يبدأ الكاتب روايته من نهايتها! فيشعر القارئ أنه يواجه بطل الرواية, وهو جلاّد في إحدى الدوائر القضائية, ينفذ العقاب في حق المذنبين..وفي لحظة واحدة سريعة, تشعر بالتعاطف معه, وهو يصف قسوة عمله.. وطالما كنت أشعر بضراوة عمل الجلاّد الذي ينفذّ الأحكام ضد المجرمين والمذنبين والخارجين عن القانون. ومع ذلك,فإن القانون الإنساني يحظّر التعذيب الجسدي, لأنه عمل غير إنساني على الإطلاق..ولكن بطل روايتنا جلاّد من نوع آخر..إنه ينفّذ ما يأمره به صاحب القصر؟! وأتساءل: من هو صاحب القصر؟!
إنّ الصور البشعة التي تبيّنتها من خلال قراءة رواية “ترمي بشرر”, استحضرت في ذهني ما حصل في سجنيّ “أبو غريب وجوانتانامو”,فجميع البشر يعلمون كيف قامت الدنيا ولم تقعد, حين تم الكشف عن فضائح الجنود الأمريكيين والبريطانيين في استباحة حقوق المساجين الإنسانية..فقد انتهكوا الحقوق المدنية, والاتفاقات الدولية, وحقوق الإنسان الطبيعية, من خلال عمليات التعذيب الوحشية, وهو أمر شديد الوقاحة والازدراء بالحياة البشرية. لقد تمّ تصوير عمليات انتهاك أعراضهم بأفظع صور الانتهاك الجنسي وأبشعها, مستخدمين تسجيلات الفيديو, وملتقطين الصور التذكارية إلى جوار جثث ضحاياهم الذين ماتوا تحت التعذيب, وبالتأكيد باسم الديمقراطية الخلاّقة!!
ومن صور التعذيب التي تمّ الكشف عنها في ذينك السجنين, إرغام المساجين على شتم الإسلام وشرب الخمر في رمضان, وجعل الكلاب تنهش لحومهم نهش الشديدي الجوع.
هذه الانتهاكات المتوحشة دمّرت النفس البشرية, وليس الجسد الآدمي فقط..وقد دافع وزير الدفاع الأمريكي “رميسفيلد” بشراسة عن سمعة جنوده مبرراً إجرامهم ” بتجاوزات حفنة من الجنود, وليست عمليات منظّمة يتّبعها الجيش الأمريكي “. وكان القادة العسكريون الغربيون على استعداد ليفعلوا أي شيء كي يعتّموا على تلك الفضائح.
وبعد هذا العرض الموجز لانتهاكات الجنود الأمريكيين والبريطانيين أعود إلى بطل رواية “ترمي بشرر”..والمفاجأة التي ستزلزل كيان القارئ, حين يتبيّن أنّ الجلاّد البطل موكّل من صاحب القصر, بمهمة تجرّد الإنسان من آدميّته, بعمل تنفر منه الفطرة الإنسانية, وتخرجه من دائرة الأعمال البشريّة..إن القارئ ليعجز عن إيجاد تفسير لمدى البشاعة التي صاحبت الانتهاكات الوحشية في الرواية..فقد عصفت بكل القيم والمبادئ والأعراف الدينية والأخلاقية, وحوّلت الجاني والمجني عليه إلى منزلة سفلية حقيرة, وهذا الأمر يظهر في قول الكاتب: “في كلّ العمليات التي خضتها, كان الجلاد والمجلود مجذوبين لهاوية سحيقة, والروح تُسحق وتذوب فيما بينهما”.
كان الجنود الأمريكيون يكوّمون المساجين عُراة فوق بعضهم بعضا, ويركلونهم بأقدامهم في كل أنحاء أجسادهم متجاوزين الحزام الأحمر, وهذا ما كان يفعله الحراس بالمذنبين في الرواية “كانت الضحيّة ملقاة على الأرض في حالة يرثى لها, يحفّ بها الحرس, ويخضعونها بالضغط على بطنها بأحذيتهم”.
والمصيبة الكبرى أن الجلاد الجاني, كان يتوقع تعاطفا معه, حين عبّر مرارا وتكرارا عن مدى سخطه واشمئزازه من أفعاله. وأكثر ما يثير الاشمئزاز في الرواية, هو استحضار الكاتب الآذان وإقامة الصلوات, في اللحظات التي ينجز فيها بطل الرواية قذارته الجنسية مع ضحاياه: “فما أن شرعت بالتعذيب, حتى ارتفع ندي مؤذّناً بدخول صلاة العشاء…”
وفي الصفحتين 190 و 191, يصرّ الكاتب على الربط بين لحظات الرذيلة ونهاية ليلة صاخبة بكل أشكال المجون وفنونه..وبين الاستعداد للصلاة, وترنح الإمام أثناء إقامتها, والتلعثم في قراءة القرآن بسبب حالة السكر والضياع التي كان عليها الساهرون. وهذا المشهد في معناه ودلالاته أشد قسوة وأعمق تأثيراً من مشهد إجبار الجنود الأمريكيين والبريطانيين, المساجين على شتم الإسلام وشرب الخمر في رمضان؟!
وكما كان الجنود الأمريكيون يصوّرون ضحاياهم وهم ينتهكون إنسانيتهم, كذلك كان صاحب القصر يتصرف ويفعل فيما كان يخالف شرع الله وشرف الإنسانية..فقد كان يجلس مع حاشيته, يستمتع بمشاهد تعذيب ضحاياه وتصويرهم, ثم الاحتفاظ بالصور وأفلام الفيديو لاستخدامها ساعة يشاء, في إذلالهم والحطّ من كرامتهم.
وقد أضاف بطل الرواية إلى بشاعة أفعاله صورة جديدة, حين أضاء على الطريقة البشعة المؤلمة, التي تسببت بها عمته في قطع لسان والدته, التي قامت بوضعه في الفريزر على أملٍ منها أن تُعيد وصله…وكيف قدمته العمة طعاماً للقط…ثم عاد بطل الرواية لينتقم من عمّته بالطريقة نفسها “سأجعلك تضعين لسانك في الثلاجة, وتحاولين وصله..سأجلب قطاً, وأجوّعه لثلاثة أيام وأعطيه لسانك”.
فكيف يمكننا أن نفرّق بين بشاعة هذه الحادثة, وبين بشاعة انحرافات الجنود الأمريكيين, حين كانوا يطلقون كلابهم كي تنهش لحوم المساجين والمعتقلين في سجني “أبو غريب وجوانتانامو” ؟!
إنّ ما عرضته من أحداث الرواية هو القليل القليل من الكثير الكثير, فلم أشأ الدخول في عملية تشويه صورة المرأة السعودية – حاشا لله في ذلك – فهي تحتاج إلى مقالة منفردة تبرز مزاياها وقيمتها ومكانتها.
إن كل أدوات الاستفهام والسؤال, تتقدم كل كلام أو تعبير باستنكار شديد:
كيف تقدم جائزة لها شهرة عالمية مرموقة, لرواية صوّرت الإباحية والشناعة والفظاعة وانعدام الإنسانية, في صور من الانتهاك الجنسي؟!
كيف ولماذا صوّرت هذا الجانب المظلم في أمر لا يخلو منه أي مجتمع في العالم كله؟!
إن هذه الرواية ستصل بعد الترجمة, إلى بلاد العالم, وعندئذٍ كيف ستكون نظرة الشعوب والأمم ألينا؟! سيسألون:
“لما استهجنتم ما حصل من انتهاك للكرامة الإنسانية مع مساجين, من قبل جنود أجانب شاذين..وأنتم – أيّها العرب – تمارسونه في حياتكم اليومية, في أراضيكم المقدّسة الطاهرة؟!! “
إنني, في معرض تناول ما أشار أليه كاتب الرواية ” ترمي بشرر”, لا أملك صحّة الحكم على إمكانية حصول ما ورد في الرواية أو لم يرد..أو إذا ما كان الكاتب قد استوحى روايته من أحداث سجني “أبوغريب وجوانتانامو” رغبةً منه في الشهرة..ولكنْ, لكل قاعدة شواذها, والأخيار كما الأشرار موجودون في كل أنحاء العالم..ونظرا إلى الهجمة البربرية التي نتعرض لها نحن العرب, فمن واجبنا أن لا نضيء على الشاذين منا, الذين تاهوا في متاهات التغريب والعداوة للنفس.
لقد حاول الأمريكيون إلقاء الستائر السود على أفعالهم الشنيعة, والدفاع عن جرائم جنودهم. واليهود الصهاينة يدفعون الأموال الطائلة كي يسخّروا الإعلام العالمي لصالحهم, في سبيل التغطية على جرائمهم بحق الكرامة الإنسانية, وعلى بشاعتهم التي ما بعدها بشاعة!!
أما نحن, وبدل أن نحاربهم بغير سلاحهم, نُخرج لهم ما خفي عنهم من وسائل وثغرات للنيل منّا, وبذلك نقدم لهم السلاح الذي يحاربوننا به.
اقتبست في نهاية المقالة, فقرة من الرواية صفحة 44, وتساءلت: إذا كانت هذه الفقرة هي رسالة هذه الرواية: ” السقوط هو القانون الأزلي, وكلنا ساقط, لكن لا أحد يتنبّه لنوعية السقوط الذي يعيش فيه. كما أنّ السقوط لا يحدث دفعة واحدة, فأثناء مراحل السقوط هناك تدرّج يُقاس بالمعيار الزمني قبل أن تعرف نتيجة سقوطك.”؟؟؟؟؟
منى الشرافي تيّم
الاستاذ منى الشرافي
لك التحية والتجلة
اشكرك كثيرا فقد ارويت غليلي من هذه الرواية الشاذة التى اعتبرها تشويها للادب ولكلمة أدب وليس من المعقول ان يروج كل من امتطى صهوة الادب لهذه القذارة ولاننى عشت فى فترة هذه الرواية كما يذكرها الكاتب فى جدة وانا ليس سعودي الجنسية ولكننى عشت فى جدة وتقريبا فى ذات الحي واحس ان كل ذلك اختلاق وكذب وتلفيق للواقع ويقينا ان الاسماء جميعها ليست حقيقية ولكن احداث بناء القصر والحارة القذرة وسلوكياتها كلها افك وافتراء فكل ذلك من صنع خيال مريض يريد تشويه واقع جميل ..
قراءة الرواية بناء على دعوة من بوست فى احد منتديات الانترنيت http://www.sudanforum.net/showthread.php?t=171127&highlight=%DF%CA%C7%C8+%C7%E1%D4%E5%D1+%CA%D1%E3%ED+%C8%D4%D1%D1 ولكننى ندمت على انسياقي لقراءة هذا الشذوذ وهذه القذارة وهذا الافك المبين ولقد اعجبني قولك ان هنالك من يريد ان يروج قذارتنا ولذا يمنحنا الجوائز على نشر غسيلنا القذر ( ان كان هذا حقا غسيلنا ) واعجبنى قولك ماذا لو نشرت هذه الرواية بلغات اخرى غير العربية ؟؟ انها حتما ستجعلنا فى مقام الحيوانات لدى الاخرين بيد اننا كنا نتمتع باحترام كبير بينهم ولا اقصد سياسيا ولكن اجتماعيا على الاقل وهذا ما يهمنا فى المقام الاول وهذا ما تتحدث عنه الرواية ..
اننى حزين حينما اقرأ مثل التى يسمونها روايات واحزن كثيرا فاين نحن من رواة سابقين كتبوا بحروف من نور فخلدوا الرواية العربية.
اقول حسبنا الله ونعم الوكيل ونحن نهد امجادنا باقلام مثقفونا وصفوتنا ..
مع خالص تقديري واحترامي
خالد محمدنور ادريس