إن طقوس الاحتفال والاحتفاء بعيد الأم أمر جميل في هذا الزمان الهارب من كل شيء، فالكل يعلم أن مشاغل الحياة قد أخذتنا من كل ما هو أصيل وجميل، وبتنا نبحث دون كلل أو ملل عن العلم والنجاح والعمل والمال والاستقرار، وأصبحنا نحيا في فوضى المظاهر وقشور المجتمعات.. وكل هذا أنسانا أن يوم الأم ليس يوم واحد في السنة.. كل هذا أنسانا أن الأم في الحياة ثروة كبيرة متوفرة ووفيرة وفي متناول نظرنا، فقد تعودنا أن لا نرى ما نملكه، إلا بعد أن نفقده… وفي ذلك الوقت بالذات.. ومع شعور الفقدان، سننظر إلى الوراء فلن نجد إلا الفراغ، وسننظر إلى الأمام فلن يتسلل إلى نفوسنا إلا ذلك الإحساس بالبرد.
قد يقول قائل.. أنني أصِلُ أمي، وأزورها وأكلمها كلما سنحت لي الفرصة، أو سمح لي وقتي… وأقول لذلك القائل بكل الحب ومن قلب مجروح… مهما فعلت فأنت مقصر في حقها وحقك، فافعل أكثر، وانهل منها وامتلأ بها، ليس من أجلها فحسب، بل من أجلك أنت أيضاً.
لأن الأم في حياتها كبيرة جداً، ولكنها حين تغيب تصبح أكبر!!
الأم في هذا العالم الواسع الكبير، مهجة الفؤاد.. ونبض القلب.. ومصدر الروح! هي هيكل الحب، وإله الحنان، ورمز العطاء..
لهمساتها كل الأماني، وللمساتها نكهة الأمان.. لبسماتها تولد الأفراح، ولرضاها تشرق الشموس.. لنظراتها تضيء الأقمار، ولوجودها كل الفصول ربيع.
كلنا ذات يوم كنا في كيانها مجرد نطفة، نبضت في جوفها.. وبها نَمَتْ. ودماؤها الندية آنذاك في شراييننا جرت! فهي سر الوجود ومعنى الاستمرار.
نعم…! لقد كبرنا كما كبرت هي، وما زالت دماؤها في شراييننا تضخ وتحيينا، قد تبعدنا عنها ملهاة الحياة.. وقد تتلاعب بنا الأقدار.. قد تقسو علينا الأيام.. وقد يشيخ شبابنا على عتبات الزمان. ولكن حين تتوه بنا الذات، فنحن نعلم أنها المأوى والحضن الدافئ، الذي نلوذ إليه، فنرتجي للحظات أن تعود إلينا الطفولة بأحلامها الوردية، كي نلتمس دعوة من قلب عطوف، بإكسيره فقط نستعيد نضارة العمر والشباب.
من غيرك أيتها الأم يُعطي دون أن يأخذ ضعفين؟ من مثلك في عثراتنا يواسينا، فكيف نجرؤ اليوم وباسم عيد الأم.. أن نقدم لك هدية؟ أهدية.. تكفي؟! أم ثرثرة كلمات شاعرية منمقة؟ لا… لا سنبوس الأرض تحت قدميك فإله في السماء هو الواحد الأحد وأنت على الأرض أيتها الأم الإله !!
منى الشرافي تيم