حين تتبدل الأدوار والمواقف في العلاقات الإنسانية، وتنقلب المعادلات في المجتمعات العربية، وتتجاوز المتغيرات الطارئة كل التوقعات، ويصبح التناقض ترادفاً، والأضداد تطابقاً.. تكبر التساؤلات في الأذهان.. عن.. من المسؤول؟ وتعلو الأصوات.. عن.. ما الذي حصل؟ إن الذي حصل ليس إلا نتيجة متوقعة لمجتمع دفن رأسه في الرمال فترة طويلة، وحين رفعه أذهله الواقع، الذي ما هو إلا انعكاس لما بذره على مر العقود. فالصورة الحقيقية التي يرفض المجتمع العربي الذكوري رؤيتها والاعتراف بها – لأنها تُخيفه – هو أن ذلك العرش الذي صنعه وأسسه للشباب العربي عقوداً طويلة، وقدمه له على طبق من ذهب – ولأن ذاك الشباب لم يجهد في بنائه، ولم يصقله بيديه – لم يتحقق له الدوام، فسقط منه سهواً! وأودُّ الإشارة إلى أن الهدف من هذا المقال ليس التعميم، بقدر ما هو إضاءة الصورة الواقعية المخيفة التي نشهدها في عصرنا الحالي؛ عصر التكنولوجيا والسرعة والانترنت والعالم الكبير الصغير!
إن تأخر سن الزواج عند عدد كبير من الشباب والشابات، أو ربما العزوف عنه تماماً من قِبل بعضهم، يعود إلى أمور كثيرة؛ منها الاقتصادية التي تمنعهم من التفكير بالارتباط، الذي يؤدي إلى تحمل مسؤولية بناء بيت وتأسيس أسرة، وذلك بسبب المتطلبات الحياتية، التي تُعدُّ أكبر بكثير من طاقاتهم وقدراتهم، فضلاً عن غلاء المهور، الذي يشبه في كثير من الأحيان الصفقات التجارية، التي يكون فيها الكل خاسراً. ومنها الاجتماعية التي جعلت الفتاة تسلك كل الطرق التي تمنحها استقلالية شخصية واقتصادية، لثقتها بأن شباب اليوم غير مهيأ للزواج والاستقرار وبذل الجهد والتضحية، وأنها قادرة على العيش والاستمرار من دونه، فلم تعد ترى فيه الظهر الذي يسندها ويحميها؛ كما كان متعارف عليه في العقود السابقة. ومنها تلك السلوكية حين يشعر الشاب بأن الارتباط سوف يحدّ من حريته واستقلاليته، هذا بالإضافة إلى الصورة الجديدة التي بدأت تظهر جليّة في مجتمعاتنا اليوم؛ وهي تبدّل الأدوار بين الشباب والشابات في المظهر والشكل والمضمون والعلاقات الإنسانية.
إن بعض الشباب العربي اليوم، يثيرون الحيرة والدهشة، فمنهم من يتشبه بالشابات شكلاً ومضموناً من دون حرج، وبكل السبل والطرق المتاحة.. وما أكثرهم!! ومنهم من يحافظ على شكله الرجولي من الخارج، وفي بعض تصرفاته العنيفة. أما في مضمونه، فهو أنثى العصور السابقة، لأنه ينتظر أن يتعرف إلى فتاة موظفة تحصل على معاش شهري محترم في آخر الشهر، أو من أسرة ميسورة الحال، كي تنفق عليه، وتشتري له الملابس، وتدفع عنه فاتورة العشاء، أو السينما، وتُغدق عليه بالهدايا، وقد يصل الأمر إلى الاستلاف منها، كي ينفق على نفسه، أو من أجل أن يدفع ثمن وقود سيارته أو شحن هاتفه النقال. والأمر الذي يدق ناقوس الخطر هو كم الشباب الذين يُقبلون على الزواج بنساء في عمر أمهاتهم إن كنّ يمتلكن الأموال التي تؤمن لهم عيشة رغيدة، وبيت وسيارة وتذكرة سفر؟!
أما الصورة الثانية لتبدل الأدوار، هي الطريقة التي تعامل بها بعض الشباب مع بعض الشابات، حين مارس عليها ذكورته، فأذلها وتسلّط عليها، وأوهمها بحبه، ووعدها بالزواج، وقيّدها بحبائل غيرته، وحين طالبته بتنفيذ وعوده، تهرب منها، وأمطرها بالأعذار والموانع والعقبات التي تقف في وجهه، الأمر الذي جعل الشابات تفقدن ثقتهن بالشباب، وانحصرت علاقتهن بهم، بقضاء بعض الوقت للتسلية والنزهات من دون أن يفكرن بمستقبل يربطهن بهم. كما فضلت بعض الشابات أن تحمل بكل فخر لقب (عانس) على الارتباط بأشباه الشباب.
كم كان سيفرحنا، ويرتقي بمجتمعاتنا لو سار الشباب العربي، والشابات العربيات جنباً إلى جنب – والعمل معاَ- وبذل الجهد من أجل الرفعة والنجاح والتقدم. ولكن غير الطبيعي هو الدور الانهزامي لبعض شباب اليوم، فبدل أن يعمل جاهدا لاستعادة ما سقط منه سهواً أو قصداً، كي تستقيم أمور الحياة ومتطلباتها، نراه يأخذ دور المتفرج المنهزم المرتاح لذلك الدور الجديد، بل أستطيع أن أذهب إلى أبعد من ذلك حين أقول أنه أخذ دور الفتاة الذي رسمه لها المجتمع في العقود السابقة، والفرق بينهما أنها قبلته مجبرة، أما هو فقبله بإرادته، وهنا تكمن الخطورة!
إن الأسر والمجتمعات العربية معاً، يلعبان دوراً مهما في تقهقر وضع بعض الشباب والشابات وتنامي حالات الانفصام والازدواجية في شخصياتهم، وكل الدلائل تشير إلى زيادة.
ما سقط سابقاً سهواً.. يسقط الآن عمداً… وعن سابق تصميم وتصوّر!
د. منى الشرافي تيّم