مقدمة
إنه لشرفٌ كبيرٌ لي، أن أكونَ جزءاً من هذه المنارةِ الثقافيةِ الرائعة، والمهرجانِ الفكريِّ المعطاء… برعايةٍ من حضرةِ صاحبِ السموِّ الشيخِ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكمِ الشارقة.
الشكرُ موصولٌ لكلِّ القيّمين على معرضِ الشارقةِ الدولي ّ للكتاب… لاستضافتي ودعوتي للمشاركةِ في فعالياتِه الثقافيةِ والفكرية.
قبل البَدءِ بأيِّ كلامٍ عن أهميةِ الكتابِ وأهميةِ القراءة…. هنا، وفي هذا المكان تحديداً، تكمن الأهمية! وهنا أيضاً تتجسّدُ القيمةُ المعنويةُ العليا، حين فتحتْ مدينةُ الشارقةِ العريقةُ أبوابَها، للكتّابِ والأدباءِ والمفكرينَ من كلِّ أنحاءِ العالم، كي تعلوَ بالكاتِب والكتابِ والقارئِ من أجل نشرِ ثقافةِ القراءةِ وتشجيعِ الكُتّابِ كي يستمروا في العمليةِ الإنتاجيةِ والإبداعية.
وسعادتي كبيرةٌ في أن أكونَ بين هذا الحضورِ المميزِ والوجوهِ النيّرة
أهمية القراءة
– هي ثقافةٌ وأسلوبُ حياةٍ يبدأ من الطفولةِ… من بيتٍ يوجدُ فيه كتابٌ وقارئٌ للكتاب.
– إنها شغفٌ من نوعٍ آخر، فهي جولةٌ على العالمِ! وفي عوالمَ من نوعٍ آخرَ…. جولةٌ على العقولِ والأفكارِ، والثقافاتِ والعاداتِ والتقاليدِ والموروثات.
– هي المحِّفزُ الأولُ لعمليةِ التركيز … ففيها إثراءٌ للعقلِ بحصيلةٍ كبيرةٍ من المعاني والمفرداتِ والمصطلحاتِ والصّور.
– هي عمليةُ اتحادٍ تحدثُ بين القارئِ والكتابِ الذي يوجد بين يديه.
– هي المعرفةُ…. من خلالِ التزوّدِ بخبراتٍ جديدةٍ، وسَعةٍ في الأفق.
– هي رياضةٌ عقليةٌ، تخفِّفُ من ضغوطاتِ الحياةِ… وتحسِّنُ الذاكرةَ وتطوّرُ طرائقَ التفكير.
أهمية الكتاب:
– تكمنُ في أسلوبِ الكاتبِ ومقدرتِهِ اللغويةِ السلسة، وثقافتِهِ وتجاربِهِ وتوجّهاتِه، وكلُّ ذلك من خلالِ ذهنٍ مبدعٍ، وعقلٍ مبتكرٍ، وبراعةٍ في التأثير وإحداثِ الانفعال. هذا النوعُ من الكتبِ يحتاجُ إلى قارئٍ يبحثُ عن هذا النوعِ من الكتب.
– الكتابُ هو الناصحُ الورقيّ، وهو الذي يبني بينه وبين القارئ جسورَ الألفةِ والتناغمِ والمعرفة… وغالبا ما يكونُ الكتابُ هو من يُرشدُ قارئَهُ إلى قراءةِ كتابٍ آخرَ للكاتبِ نفسِه، أو كتابٍ لكاتبٍ آخرَ.
– الكتابُ وسيلةٌ للوصلِ بين القديمِ والجديد، ووسيلةٌ للتواصل.
ما الذي يُرغِّبُ قُرّاءَ القرنِ الحادي والعشرين في قراءتِهِ حالياً؟
– يحملُ القرنُ الحادي والعشرون تحدياتٍ كبيرةً جداً، إذ يتحولُ كلُّ شيءٍ فيه إلى آلةٍ ذكيةٍ مخيفةٍ عبر شاشةٍ وأزرار… تغيراتٌ مستمرةٌ وسريعةٌ جداً… ومستقبلٌ غامضٌ مجهولٌ يُضيفُ إلى حَيْرَتِنا حَيرَةً، ويُؤججُ من خوفنِا، ويزيدُنا تعلقاً بتلك الآلةِ الذكيةِ بكلِّ أشكالِها.
– تختلفُ القراءةُ من شخصٍ إلى آخرَ .. فهي تساعدُ القارئَ على التعرفِ إلى نفسِهِ ومشاعِرِهِ، وانفعالاتِه، وميولِه، وتمكّنُه من اكتشافِ مكنوناتهِ؛ وهي الطاقةُ الإيجابيةُ المجانيةُ التي تملأُ القارئَ بشتى أنواعِ المعرفةِ… هي الشرفةُ المطلّةُ على الدهشةِ والمتعةِ معاً.
– هو الكتابُ الذي يسبّبُ الدهشةِ والمتعةِ، ويأخذُ القارئَ من دون شعورٍ منه، في رحلةٍ إلى عوالمَ جديدةٍ كانَ يجهلُها. كالتفاعلِ مع الشخصياتِ والاتحادِ معها، إذا كانَ الكتابُ روايةً.
– أو كمتعة المعرفةِ التي تستفزُّ العقلَ وتحفِّزُهُ وتتحدّاه، إذا كان الكتابُ يتناولُ موضوعاً فكرياً، أو فلسفياً، أو علمياً.
– عواملُ الجذبِ التي تتجلّى في اللغةِ والأسلوبِ والعصريةِ… التي من شأنِها أن تجعلَ القارئَ يغوصُ في عوالمِها، في عمليةِ انفصالٍ واتصالٍ ممتعة.
– عدوى القراءةِ… القراءةُ معديةٌ، فالقارئُ الناقدُ يستطيعُ أن ينصحَ من حولَهُ بقراءةِ كتابٍ ما … وهنا نجدُ أن الكتابَ الجيدَ، بحاجةٍ إلى قارئٍ جيدٍ كي يجدَ طريقَهُ إلى الجمهور.
لا نستطيعُ التعميمَ عند مناقشةِ سؤالِ ما الذي يُرَغِّبُ قرّاءَ القرنِ الحادي والعشرين في قراءتِهِ حالياً؟
أذواقُ الناسِ مختلفةٌ ونسبيةٌ… وتغيَّرتْ وَفقاً لكلِّ المتغيراتِ المحيطةِ بها.
فكما للكاتبِ أسلوبٌ وفكرٌ وثقافةٌ …. فللقارئِ أيضاً أسلوبٌ وفكرٌ وثقافةٌ…!
فقد يكونُ الكتابُ الجيدُ مملاً عندما يقرأُهُ شخصٌ، ربَّما يكونُ موضوعُ الكتابِ خارجاً عن نطاقِ اهتمامِهِ وثقافتِهِ وعلومِه.
القارئُ الجيدُ هو ناقدٌ جيدٌ، فكلما قرأَ أكثرَ تكوّنت لديهِ المقدرةُ على التفكيرِ النقديِّ، فيستطيعُ أن يفرِّقَ بين الجيد وبين الرديء.
الكتابُ كاللوحةِ الفنيةِ … كلُّ شخصٍ ينظرُ إليها من أبعادهِ وزواياهُ ورؤيتِهِ، من خلالِ الألوانِ والظلالِ والخطوط، وهذا الأمرُ أيضاً، ينطبقُ على القارئِ، ولكن من خلال اللغة. فاللغةُ هي العجينةُ التي يُشكِّلُ منها الكاتبُ نصَّه، حينَ يرسم من خلالِها أقوى المشاهدِ، وأروعَ اللوحاتِ وأحدثَ الأفكارِ والعلوم.
الكتابةُ الفنيةُ ليست صورةً ذهنيةً آليةً جامدة، بل هي مرتبطةٌ ارتباطاً وثيقاً بالكاتب، جامعةً لأحاسيسِهِ ومشاعرِهِ وأحوالِهِ النفسيةِ وتجارِبِه ورؤاه.
هل تفي الكتبُ الصادرةُ في شتى فروعِ الثقافاتِ والمعارفِ بالغرضِ من وجودِها وتأليفِها؟
– المشكلةُ لا تكمنُ عند القارئِ فحسب، المشكلة قد تكونُ في الكتبِ نفسِها والموضوعاتِ التي تتناولُها، فالقارئُ الحقيقيُّ لا يستطيعُ أن يتوقفَ عن القراءةِ، ولكن، ربمَّا فقدتِ الكتبُ الموجودةُ على رفوفِ المكتباتِ المتعةَ المعرفيَّةَ والروحية التي يبحثُ عنها القارئُ الجيّد.
– ليس كلُّ ما هو منشورٌ يستحقُ النشرَ… قد يكونُ الكاتبُ الجيدُ مغموراً لا أحدَ يعلمُ عنه شيئاً، لأنه لم يجد طريقَهُ لدورِ النشرِ….
– إن المكتباتِ تعجُّ بكتبِ الكُتّابِ الكبارِ والمشاهير … وبعضُها يمكنُ لنا أن نَصِفُهُ بالضعيفِ واللغةِ الركيكةِ، ومن الكُتّابِ من استعملوا ظاهرةَ التناصِ في معظمِ نصوصِهم… إلى حدِ النسخِ من نصوصِ الآخرين…. بمعنى آخرَ (السرقات الأدبية).
– كما أدت جائحةُ كورونا دورين بارزين:
الأول: أضرَّتْ جدا بدورِ النشرِ التي خفّضَتْ من أعدادِ إصداراتِها… خصوصاً أن دورَ النشرِ تعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على معارضِ الكتاب.
الثاني: إقبالُ القرّاءِ على الكتبِ الرقميّة، للحصولِ على الكتبِ المجانيةِ المتوفرةِ على المواقعِ الالكترونية.
هل تغيّرتْ أذواقُ القرّاءِ تبعاً لتغيّرِ معطياتِ العصرِ والاهتماماتِ البشرية؟
– نعم، تغيرت كثيرا بسببِ السرعةِ الفائقةِ التي تتطورُ فيها الأمورُ، وخصوصاً على المستوى التكنولوجيِّ وكأننا في سباقٍ نعرفُ متى بدأَ… ولا أفقَ واضحاً أين يمكنُ أن يقفَ.
– تزايدُ المشاغلِ وسرعةُ عجلةِ الحياة… وأنواعُ العملِ التي تستنزفُ طاقةَ الانسانِ ووقتَه.
تعلّقُ الناس بوسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ على اختلافِها وعالمِها الافتراضيّ، بالإضافةِ إلى أنّ مُعظمَ الناسِ اليومَ، يقضون معظمَ أوقاتِهم في حضورِ المسلسلاتِ عن طريق الانترنت… وبحلقاتٍ متتاليةٍ… وما أن ينتهيَ من مسلسلٍ حتى يبدأَ بغيرِهِ… وهكذا… دواليك !!
– على كلِّ كاتبٍ وكتابٍ اليوم، أن يُنافسَ في جاذبيتِه وتشويقِه قنواتِ ووسائلَ التواصلِ الاجتماعيّ. هذا النوعُ من الكتبِ من شأنِهِ أن يشقَّ طريقَهَ إلى القرّاءِ … ويتمُّ التداولُ بعنوانِهِ ومضمونِهِ… ومن ثمَّ الإفادةُ من قنواتِ التواصلِ الاجتماعيِّ لنشرهِ والتعريفِ به… وبذلك يكونُ الدواءُ في الداء.
– رُبَّما لم تتغيرِ الأذواقُ…. لأنَّ مَن لا يقرأُ في العادةِ، لا يمكنُ له أن يعرف طعمَ المتعةِ التي تمنحُها القراءةُ … وهنا، قد يؤدي الدورَ الأكبرَ في عدمِ القراءةِ هو عاملُ الوقت.
ما الذي يحرّكُ شغفَ القارئِ أولاً وأخيراً؟
– المتعةُ – الدهشةُ
– المعرفةُ من أجلِ: الثقافةِ والدراسةِ وتطويرِ الذات.
– الأسلوبُ: السهولةُ وليسَ الاستسهالُ أو الابتذالُ.
– على الكُتّابِ أن يستفيدوا من وسائل التواصل الاجتماعيّ لنشرِ موادِّهم وموضوعاتِهم من خلالِ عرضِ العباراتِ والمشاهدِ الأكثرَ تشويقا في كتبِهم.
– الرواياتُ التي تعالجُ الموضوعاتِ من خلالِ رؤيةٍ نفسيةٍ عميقةٍ تتناغمُ مع متطلباتِ العصر الحاليّ، والتي تشبهُ فيها شخصياتُهم حياةَ شخصياتِ الروايةِ ولكن في قوالبَ تحملُهم فيها إلى خارجِ أُطُرِ المللِ التي يحيونَها.
– الروايةُ اليومَ، من خلالِ شخوصِها وأحداثِها وموضوعاتِها، قد تحملُ الفكرَ والثقافةَ والمنكهاتِ العلميةَ والسياسيةَ والواقعيةَ وتربُطها بالتاريخِ والحاضر.
– الفردُ اليومَ في ظلِّ كلِّ ما يحصلُ في العالمِ الذي يعيشُ افتراضياً في معظمِ أوقاتِه، بحاجةٍ إلى دليلٍ يساعدُهُ على اكتشافِ ذاتِهِ وفهمِ العالمِ من حولِه…. وهذا الدليلُ هو الكتابُ الجيّدُ كي يعودَ إلى واقعِهِ بإرادتِهِ.
أشكال القراءة:
– القراءةُ النقديةُ التحليليةُ…. وذلك من أجلِ تكوينِ رؤيةٍ متكاملةٍ عن مضمونِ الكتاب، إذ ينتبهُ القارئُ أثناءَ القراءةِ إلى التفاصيلِ بالمقارنةِ والرَّبطِ… وملاحظاتِ للكاتبِ وعلى الكتاب.
– الكتابُ حتى لو كانَ روايةً… فهو مادةٌ تاريخيةٌ دسمةٌ… ولو درسنا الرواياتِ على سياقِ النقدِ الثقافيِّ… لوجدنا أنَّ بعضَ الرواياتِ هي موادٌّ دسمةٌ لدراسةِ التاريخِ وعلمِ الاجتماعِ وعلمِ النفسِ، وكلّ ما له علاقةٌ بالإنسان.
– الكتابُ عالمٌ فكريٌّ يحملُ عدداً من وجهاتِ النظرِ المختلفةِ التي من شأنها، أن تنمّي بعضَ الأفكارِ، أو تمحوَ أخرى، أو تصحّحَ بعضَ ما تمَّ الخلافُ عليه والاختلافُ فيه.
– الروايةُ الجيدةُ تحفِّزُ الخيالَ… والكاتبُ يستطيعُ من خلالِ اللغةِ المعبرةِ، تحويلَ الكلماتِ في ذهنِ القارئِ إلى صورٍ يطبعُها العقلُ… واستباقُ القارئِ أحداثَ الروايةِ تجعلُهُ مشاركاً للكاتبِ في التأليفِ…. فهو حينَ يتخيّلُ الأحداثَ بشكلٍ مختلفٍ … يتحوّلُ إلى مؤلف…
– الكتابُ: مُعلمٌ… ينقلُ تجاربَ الآخرينَ حُلوَها ومُرَّها نجاحاتِها وإخفاقاتِها… يمنحُ المتعةَ والسرورَ… الغوصَ في حياةِ الشخصياتِ التاريخيةِ وتقمّصِها طوالَ فترةِ القراءة. – الابتعادُ عن لغةِ الطّلاسِم الحداثية… فهيَ نوعٌ من القصورِ لا الإبداع
