يلتف عالم القرن الواحد والعشرين اليوم حول بركان “كوروني” متوهج متفلت بنتوء وفروع، يقذف شظاياه هنا وهناك، لا يفرق بين جنس أو لون، ولا تستوقفه جغرافيا، وليس له حدود. لا تخضعه دول آمنت بعظمتها، وطوّرت أسلحتها، وسلكت كل السبل التي مكنتها من التحكم بالعالم!! فتُصيب تلك الشظايا المتطايرة صاحب القدر والنصيب… يموت البعض… ويصاب آخرون بحروق متفاوتة الدرجات. تتحول البيوت إلى ملاجئ، وتخلو الطرقات من روادها، وتتلاشى مظاهر الحياة من الحياة، وتتوقف عجلة الزمن على عتبات شاشات التكنولوجيا الجامدة… ولا حياة إلا لبضعة أصابع تتحرك… تكبس على حفنة أزرار، نطل من خلالها على من نحبهم وخصوصاً أولئك الذين باعدت بيننا وبينهم الظروف، وعلى عالم افتراضي فرض نفسه على كل واحد منا. وحين تتسع الدائرة نترقب آخر الأخبار من مسؤول غير مسؤول، أو حاكم محكوم من حاكم، أو عالِم يحمل لنا بارقة أمل ووعد بالفرج والخلاص.
ها نحن والعجز وحده يرافقنا، وقلة الحيلة تجمعنا، والوحدة وحدها… جدران بيضاء مع مرور الوقت تضيق! أما لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فمرجعنا ووجهتنا. ها هي الاقاويل تكثر، والتكهنات قيد النشر والتداول، والمختبرات بعتادها وعلمائها تعمل على قدم وقدم متسلحة بأدمغة تفور متأهبة، للفوز بإنتاج لقاح أو دواء سحري تُدفع للحصول عليه ثروات ما فوق الأرض وما تحتها… ها هي الدول العظمى بعظمتها وأسلحة دمارها النووية والبيولوجية، وجيوشها الجرارة التي لا تُقهر… قهرتهم (كورونا) وشلت اقتصادهم وأقفلت مواردهم، وأعجزت ثرواتهم، ورسمت حدودهم، وسدت فضاءهم، وأظلمت أجواءهم، وكبّلت حرياتهم.
وُجهتا نظر تطوفان على السطح علينا ألّا نتغاضى عن أي منهما، فكلاهما ممكنة! وقد تجتمعان. الوجهة الأولى، ترى أن “كورونا” هي رسولة رب السماوات والأرض ورب العالمين، الذي إذا أراد شيئاً يقول له كن فيكون، ليضع حداً لفراعنة الأرض وشياطين الإنس، الذين تجبروا وعاثوا الفساد والظلم والقهر والمجاعات وسفك الدماء… كي يتعظ كل من أَسَرَتْه المادة وكدّس المال، وكل من عبد الكرسي، وكي يعود إلى رشده كل من نسي أو تناسى أن الله موجود، وكي يُخرِس كل من يصدح صوته على المنابر متكلماً باسمه، فيكذب حد الفسوق. أهي حرب الله على الأرض يشنها على أهل الأرض؟! فيهزمهم بسلاح لا يفوق حجم خلية واحدة من خلايانا. أهي تبشير بنهاية البشرية، أم هي رسالة صحوة واستفاقة من غيبوبة؟!
أما الوجهة الثانية، فترى أن كل ما يحصل هو انطلاقة صافرة الحرب العالمية الثالثة التي تدور رحاها بين الدول العظمى، والبقاء للأقوى والأعظم. هي حرب لا تحتاج إلى أسلحة متطورة مدمرة وفتاكة، بل حرب بيولوجية، تهدف إلى تقليص أعداد البشر بدءاً بالمسنين والمرضى الذين يشكلون عبئاً على كاهلها، وتمر باستعمار الدول الغنية بالغاز والنفط والسطو على مقدراتها، وصولاً إلى الخلاص من الدول العظمى المنافسة لها.
وهنا لا بد من أن نعود إلى فرضية أن الكورونا قد تكون من تدبير وصنع وتخطيط البشر أُعدت لخوض حرباً بيولوجية مدمرة، إلا أن إرادة الله سبقتهم بأشواط، ليعلموا أنه أكبر وأعظم “ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين”، “إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها”. ففقدوا السيطرة وانقلب السحر على الساحر، فها هم يتخبطون من أجل أن يجدوا لقاحاً أو دواءً ينقذ أرواحهم… فإن كانوا قد صنعوا الكورونا وحضروها لبدء حربهم، فقد سبقهم الله بخطوة قبل أن يصنعوا اللقاح والعلاج.
قد يقول قائل لماذا نذهب دائماً إلى نظرية المؤامرة؟ نعم علينا أن نؤمن بنظرية المؤامرة ونضعها صوب عيوننا، وأكبر دليل على ذلك أحداث 11 سبتمبر التي غيرت وجه شرقنا… لقد تم التضحية بأرواح كل الناس الذين كانوا بالأبراج في ذلك النهار من أجل إقناع الرأي العالمي بأن أمريكا قد تعرضت لهجوم إرهابي، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة!
إن ما يحصل اليوم في العالم هو درس وعبرة لكل إنسان أينما كان. علينا أن نقف ونتفكر في شأن هذه الحياة، ها نحن في كل بقاع الأرض في وحدة حال، الغني والفقير، الكبير والصغير، نعتكف في بيوتنا، نأكل ما يُشبعنا، نرتدي ما يُريحنا، نعتني بأنفسنا خشية على أحبتنا.
كم هي صغيرة كل تلك المظاهر التي كنا نصرف طاقتنا عليها! كم هي كبيرة نعم الله علينا المتمثلة براحة البال والرضى…! وما أعظم هباته المكللة بالصحة والعافية!!
واختم مقالتي برسالة أوجهها إلى السياسيين والأثرياء في لبنان أن يقوموا بتخصيص مبالغ قليلة من ثرواتهم لمحاربة الكورونا، وتقديم المساعدة والدعم للمحتاجين والفقراء، كي يُسهموا في الحد من انتشار الوباء من خلال حجر أنفسهم… وإلا كيف نخير محتاجاً إن خرج من بيته مات بالوباء ونشره، وإن بقي في بيته مات هو وأسرته جوعاً؟!
د. منى الشرافي تيم
التنبيهات: كورونا… حرب الكبار… والله أكبر! | منى الشرافي تيم