دكاكين مُذهّبة بالمذهبية، وجحور طائفة بالطائفية، وعقول غيّبتها العنصرية، وجهل وطّنته الغرائزية، وشعب نوّمته التبعية. أما العروش فمشيدة لأشباه الآلهة، والمناصب معبّدة لأنصاف الآلهة. وثورة الصحوة في وجه سطوةِ وتسلط سلاطين السلطة. وقنابل مسيلة للدموع وأثرها على العيون الباكية دهراً. ورصاص مطاطي ليس للبشر، يخترق الأمعاء الخاوية، ويقتلع إحدى العينين فاثنتين عليهم كثيرة، ويستأصل أصابع اليد الممتدة الطويلة. وخراطيم مياه باردة في فصل البرد والثلج متدفقة غزيرة، لِتُطفئ نيران أجساد ثائرة… أشعلها وقود الفقر والذل والحاجة.
إن عباد الله الذين خلقهم فأكرمهم وكرّمهم؛ صورة مستقبلهم اليوم بفضل بعض عباده الفراعنة لا نرى فيها إلا أنفاق ظلام ونفاق، ومتاهات استغباء وثرثرات استخفاف، وسراديب عتمة للتعمية. وموتٌ واقع حين يشتد المرض، فلا أسرّة للفقير في المستشفيات. والموجوع محكوم بأن يعضّ على وجعه، فالأدوية أثمانها باهظة في الصيدليات. أما الشيخوخة… فأجساد أصحابها ثقيلة… أحياء من صنف الأموات… هم عبء فوق طاقة السُلطات.
والحديث بلا حرج عن صناديق من فولاذ لا تُعدُّ ولا تُحصى في البنوك… منتفخة بالعملات الصعبة جداً، والذهب والفضة والماس النادر جداً… كل هذا من نصيب رؤساء ووزراء ونواب ومدراء، ومصدرها ثروات الشعب المنهوب والمسلوب. أما الصناديق المستحدثة… فخزينة الدولة فارغة عاجزة عن أن تملأها، وبطون أصحابها لا تشبع… ولن يملأ عيونها إلا التراب… فاحتاروا… يريدون المزيد… أذكياء هم…! وسياساتهم في السرقة احتيال ودهاء. ففي البنوك؛ أموال للناس، ليس للسلاطين عليها سلطان، ولكن شراهتهم وشبقهم ونهمهم وأنفوهم تسبقهم إليها، وعيونهم مُسلطة عليها. فها هي أيديهم متماهية مع أنوفهم الجشعة وعيونهم الفارغة تمتد إلى جنى العمر وعرق الجبين وقرش الغد. قرش جُمِعَ فوق قرش من أجل شراء شقة أو بيت. هناك من أودعها في المصارف شهر وراء شهر كي يؤمن أقساط المدارس والجامعات لأولاده… أو من أجل أن يأمن غداً مجهولاً… أو أن يحفظ كرامة شيخوخة… أو أن يتزوج ويُنشئ أسرة. فما أكثرهم أولئك الذين تقشفوا في شبابهم كي يعيشوا حياة كريمة هم وأسرهم مستقبلاً…! ما أكثرهم أولئك الذين حرموا أنفسهم من أشياء تمنوها واشتهوها من أجل حفظ القرش الأبيض ليومهم الأسود…! وما أكثرهم أولئك الذين يعملون ليلاً ونهاراً كي ينفذوا مشاريع الأحلام…! وما أكثرهم أولئك الذين تغربوا وتشتتوا في البلاد عن أسرهم وزوجاتهم وأولادهم وأرسلوا أموالهم وأودعوها في البنوك!! كل هذا وأكثر ربما قد يكون ذهب مع الريح ليملأ الصناديق المُستحدثة. فها هو المُدّخِر أصبح يقف أمام المصارف كالمتسول كي يحصل على بضعة قروش من ماله… والمبكي أنه يخرج شاكراً الله أنه فاز بها؟!!
ثارت ثائرة الناس على الوجع والفقر والبطالة والهجرة والأميّة، فانهالت عليهم الاتهامات، فنعتوهم بقطاع الطرق، ونسبوا إليهم خراب لبنان، وانهيار الدولة، وتعطيل المؤسسات. أرّقتهم مُطالبة الناس بحقوقهم. أرادوهم عبيدا وأردوهم خدماً. أرضاهم صمتهم ورضوخهم وتبعيتهم، وقبولهم بالفُتات المنقوع بالذل مُذيّل بالحمد والشكر وتقبيل الأيادي في حال من الخشوع. حقوقهم أصبحت عطايا منتقاة لكل من يهتف لهم بالروح ولكل من يهبهم الدم.
ولكن أن يكون كل شيء يحتاج إليه المواطن ليعيش بكرامة في عصر الحضارة والعولمة وكبسة الزر مقطوعاً… في مشهد يشبه العصور الحجرية… فهو محروم من الكهرباء والماء والطبابة والعلم والعمل وضمان الشيخوخة والطرقات الآمنة.
متى يقتنع المواطن أن واقعه المظلم من صنع يديه؟ متى يفتح عينيه كي يرى أنه تنازل عن حقوقه كي يُشيد عرش الزعيم وقصره! متى يعلم أنه إن تخلّى عن تبعيته ونزع غرائزيته سوف يعي أنه يسير خلف وَهْم ليس أشد من بيت العنكبوت، وأنهم عندئذٍ وبكل ما يمثلون: “مُعَلَقون على وتر … مُتأرجحون على عَصب”.
د. منى الشرافي تيّم
التنبيهات: “مُعَلَقون على وتر … مُتأرجحون على عَصب | منى الشرافي تيم
التنبيهات: “مُعَلَقون على وتر … مُتأرجحون على عَصب | منى الشرافي تيم