ما هذا الرعب الذي يشهده المواطن اللبناني من كل ما يخبئه له الغد…؟ وما هذا الضياع الذي يعيشه؟ فلا أمن ولا أمان، ولا استقرار ولا مستقبل، ولا مال ولا أعمال، ولا وظائف! وهذا الحال لا ينطبق على المواطن الفقير فحسب، بل ينطبق على المواطنين من كل الطبقات: الوسطى، والميسورة، والغنية. غيمة سوداء تخيم على مستقبل المواطن اللبناني، فلا يدري كيف يتعامل مع أخبار الرعب التي تحذره من أن حياته في البلد على كف عفريت، وكأن الأصوات العالية المُحذرة تطالب كل من يملك الكثير من المال أو بعض المال أن يسحب أمواله من المصارف اللبنانية ويغادر البلد في أول فرصة تسنح له، وفي المقلب الآخر تقول لكل من تسول له نفسه أن يعود من بلاد الغربة كي يستثمر في وطنه بأن إياك أن تفكر في هذا الأمر فلا مكان يتسع لك… ولا مستقبل ينتظرك! وهذا التحذير يهدف إلى تهجير المقيم، وتأكيد عدم عودة من هاجر.
إن ما يحصل وما يُشاع في هذه الأثناء في لبنان ما هو إلا مغامرة محسوبة أو غير محسوبة من قبل السياسيين والمسؤولين وحماة البلد لا أحد يمكن أن يتكهن نتائجها أو يعلم ما قد تؤول إليه إلا الله وحده، فمن يعقل ولو قليلاً لا بد وأن يشعر بثقل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والنفسية على كاهل المواطن اللبناني الذي لا بد وأن يأتي ذلك اليوم الذي ينفجر فيه كالبركان الجارف في وجه كل أولئك الذين يتلاعبون بحياته من أجل بناء حياتهم، ويهددون مستقبله من أجل تأمين مستقبلهم ومستقبل سلالتهم، ويسلبون ماله من أجل أن تنتفخ أرصدتهم في البنوك، يُطأطئون رؤوسهم لسياسات هدامة مدمرة كي يحفظوا مقاعدهم لسنوات قادمة ومن ثم لورثتهم من بعدهم. أما السيف الآخر المسلط على رقاب اللبنانيين فهو التهويل بنشوب الحرب الإسرائيلية على لبنان في وقت قريب… وبذلك يضطرون للعيش بين حربين إحداهما باردة والأخرى ساخنة.
من أين تبدأ نهاية سياسات الإحباط النفسي والتجهيل الفكري والتجويع المعوي ومسح الجيوب واستعمار مرافئ المستقبل والاستيطان على الغد والعض على الجروح؟ أسئلة كثيرة لن تتم الإجابة عليها إلا بقرار واحد وصوت موحد من الشعب اللبناني حين يقف في مواجهة من أوكلهم أمره وأعطاهم صوته وأجلسهم على كراسي الحكم والقرار فحرموه من أبسط حقوقه الإنسانية، ولعبوا على غريزته الطائفية والمذهبية، فتاه في سراديبها المظلمة، وحقق لأصحاب الحكم أهدافهم ونفّذ لهم سياساتهم، وأتخم أرصدتهم في البنوك… صوت يرفض… صوت يعترض… صوت يطالب… صوت يحاسب… صوت يُقيل ويُنحّي… صوت يُقر ويقرر…
لبنان اليوم بساسته وسياساته يهجّر النخبة من أبنائه… أصحاب الفكر والشهادات العلمية والكفاءات إلى بقاع الأرض… بحثاً عن الأمن والأمان والعيش الكريم والمستقبل، وهؤلاء هم الأوفر حظاً… ومن يبقى منهم… موجود فقط بجسده ولكنه فارغ الداخل عائم المستقبل.
ومن هنا نجد أنفسنا في حيرة من أمرنا حين نفكر في سياسيي البلد وسياستهم الغريبة فمن يفهمها؟ ومن يحلل أهدافها؟ وكيف تعود عليهم بالمنفعة؟ كيف يحمون رؤوسهم من الانهيار؟ سياسيون على من؟ ويحكمون من؟ وسياسة من ينفذون…؟ وعلى ماذا يراهنون؟! فالبلد إن ذهب إلى الإفلاس… والليرة اللبنانية إن خسرت قيمتها… فهل تتسع أرصدتهم إلى المزيد من الملايين والمليارات من العملات الأجنبية؟ ألا يقرأون التاريخ…؟! فالدائرة لا بدّ أن تدور والخراب إن عم سيطال الجميع…
لبنان الجميل الرائع بطبيعته الخلابة يعاني، والخوف يملأ قلوب أبنائه، وخيمة المستقبل مليئة بالثقوب… والشعب يرى ويسمع ويعرف ويفهم أما صمته فمريب!!
د. منى الشرافي تيم
التنبيهات: تهجير المُقيم… وتأكيد عدم عودة من هاجر! | منى الشرافي تيم