عقد الزواج… أشرعي أم مدني؟
عقد الزواج الشرعي بشرع الله… الحق لكل ذي حق…!!
…. ولكن؟
ما أن طرحت وزيرة الداخلية ريا الحسن موضوع الزواج المدني حتى ثارت عليها ثائرة رجال الدين والتشريع، فمناقشة موضوع الزواج المدني بالنسبة إليهم من المحرمات، لأن قوانينه لا تتوافق مع تشريعاتهم وقوانينهم، وبالتالي لا بدّ أن يكون مرفوضاً من قبل المجتمعات التي تتبع المرجعيات الدينية… ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لم يلجأ عدد كبير من المقبلين على الزواج إلى الزواج بعقد مدني على الرغم من كل هذا الرفض الذي وصل إلى درجة التكفير والخروج عن الدين؟
إن شرع الله في كل الأديان كرّم المرأة ورفع من شأنها ومنحها حقوقها، أما شرع الذكر فأذلها وسلبها حقوقها، فعند نشوب النزاعات وتأجج الخلافات بين الزوجين يلجآن للمحاكم الشرعية، فتنصف الذكر ظالماً كان أم مظلوما…
يلجأ المقبلون على الزواج اليوم إلى عقد الزواج المدني لأسباب عديدة؛ فمنها اختلاف الدين والمذهب والطائفة، فيتم الزواج من دون أن يضطر أحد الزوجين إلى تغيير دينه أو طائفته. ومنها الهروب من بعض القوانين الصارمة التي تفرضها شرائع بعض المذاهب التي لا تجيز الطلاق، ومنها رغبة المرأة في حماية حقوقها ومساواتها بالرجل، فالانفصال يتم بالتوافق فلا إجبار ولا إكراه على العشرة، ولا أحد منهما يأكل حق الآخر سواء أكان معنوياً أو ماديا، ولا تنازلات أو ضغوطات بما يختص حضانة الأطفال، أو تعدد الزوجات، أو قضايا الميراث.
وكلامي هذا لا يعني أنني أؤيد الزواج بعقد مدني وإنما أردت أن أوضح أمراً مهما هو أن عقد الزواج الشرعي يمكن أن يشمل كل الشروط الواردة في الزواج المدني، فالزوج والزوجة قادران على وضع الشروط التي من شأنها أن تحمي حقوق الطرفين، فلا يخرج أي منهما مظلوماً أو مكسوراً عند نشوب الخلافات التي قد تقف عائقاً أمام استمرار الحياة الزوجية بينهما…
تعلو الأصوات القائلة بأن المرأة العربية قد حصلت على حقوقها، ولم تعد ضعيفة أو مسلوبة الإرادة، لأنها تعلمت وتبوأت مناصب مهمة واكتفت اقتصاديا، ولكن هذه صورة المُكبرة للمرأة مضللة وليست حقيقية، لأن نسبة أولئك النساء ضئيلة جدا إذا ما تمت مقارنتها حسابياً بالنساء اللواتي يقبعن وراء جدران الظلم وفي ظل سطوة الذكر وتحت أحكام المجتمع الظالمة.
قد يقض اللجوء إلى عقد الزواج المدني مضاجع المحاكم الشرعية من أجل أن تعيد حساباتها وتحكم بشرع الله وليس بشرع الذكر، فمتى سمعنا أن المحاكم الشرعية حكمت وفق القوانين الشرعية الإلهية ومتى ثارت ثائرة رجال الدين لظلم وقهر وقعا على المرأة كما ثارت ثائرتهم على الزواج المدني؟ هو لا يريد أن يُطلق… هو يريد حضانة الأطفال… هو يريد أن يعدد الزوجات… هو يريدها أن تتنازل عن كافة حقوقها كي يمنحها الطلاق، هو يخيرها بين البقاء على ذمته كبيت الوقف وبين التنازل عن حضانة الأطفال والنفقة… هو يريد… هو يرغب… وهو يحصل على كل ما يشاء.
والنتائج الفعلية لكل ما سبق… هي… إما أن تقبل المرأة بقدرها وتضحي بحياتها وتبقى في بيته وعلى ذمته وهي كارهة له من أجل أطفالها، فيعيش الأطفال حياة كئيبة لأن أمهم تعيسة ومغلوب على أمرها، ففاقد الشيء لا يعطيه، وإما أن تتنازل له عن كل شيء البيت والأولاد وحقوقها المادية والمعنوية، وقد تصل في كثير من الأحيان لأن تدفع له المال إن كانت تملكه من أجل الخلاص. وبعد ذلك تعلو الأصوات القائلة: هي من أرادت الطلاق وسعت إليه وتنازلت كل شيء وحصلت على مرادها… ولكن لا يقولون ما الذي أوصلها إلى درجة التنازل والتخلي عن كل شيء حتى فلذات كبدها؟! وإن حصل وحكم القاضي للزوجة بالمشاهدة، فقد ينتهي مفعول هذا الحكم في اللحظة التي تقرر فيها الارتباط برجل آخر، فالمُطلِق لا يريد لرجل غريب أن يربي أولاده، أما زوجة الأب فلها كل الحق.
(هو) يقف أمام القاضي لا يريد الطلاق ولا يسعى إليه! لماذا؟ لأن طلاقه أو عدمه لن يؤثر عليه في شيء، فالشرع حلل له الزواج من أخرى والبدء بحياة جديدة غير آبه بزوجته الوقف ومصيرها، يكفيها أنه قد تكرم عليها وأبقاها على ذمته كي تربي أولادها، وتلبي احتياجاته الزوجية متى شاء، فهي لا تزال زوجته وله عليها حق الطاعة.
وفي المقلب الآخر شرائع عدم جواز الطلاق في بعض المذاهب، مما يضطر الأزواج إلى تغيير الدين من أجل الحصول على الطلاق والزواج مرة أخرى، أو الذهاب إلى الخيار الآخر المتاح وهو الانفصال والمصاحبة أو المساكنة.
أتمنى أن تكون رسالتي قد صلت، وهي أن شرع الله حق وهو فوق كل الشرائع… فاحكموا بشرع الله … لأن شرائعكم أنتم وضعتموها… فلا تنتفضوا إن حلت محلها شرائع بديلة!
د. منى الشرافي تيّم
التنبيهات: عقد الزواج… أشرعي أم مدني؟ | منى الشرافي تيم