النشرات النفسية العصرية… دواء وداء… وحرية مثقوبة!!

النشرات النفسية العصرية… دواء وداء… وحرية مثقوبة!!

إن قنوات التواصل الاجتماعي اليوم بكل أشكالها أصبحت كالشرفات التي نُطل من خلالها على النشرات النفسية لأشخاص حقيقيين في حياتنا نعرفهم ويعرفوننا عن قرب أو عن بُعد، وأشخاص افتراضيين لا نعرف عنهم سوى ما أرادوا لنا معرفته أو ما يتمنون أن يكونوا عليه. فمنهم من يعبر بالكلمات، ومنهم من يعبر بالصور، ومنهم من يشارك أغنية أو مشهد مصوَّر أو خبر من هنا أو هناك بصورة انتقائية أو عشوائية… وكلها أساليب قد تُريح النفس الإنسانية وتخفف من احتقانها خصوصاً حين يتفاعل الأصدقاء مع تلك النشرات من خلال تعليق إيجابي كالإطراء والمجاملة أو الاكتفاء بإشارة إعجاب!!

ولو حاولنا أن نجري إحصائية لتلك النشرات لوجدنا أنها تحمل بين سطورها قواسم مشتركة وفق البلد التي ينتمي إليها الأشخاص، خصوصاُ الحالات الاجتماعية والسياسية والدراسية والمهنية والمذهبية والطائفية. ولو نظرنا إلى هذا الأمر من وجهته الإيجابية فربما نجد أن البعض يرتاح حين يعرف أنه ليس وحده المُثقل كاهله بالهموم، أو ربما يكتشف أنه أفضل حالاً من غيره. وفي كثير من الأحيان تكون بعض تلك النشرات النفسية حافزاُ للبعض كي يجتهد ويقدم أفضل ما لديه. أما لو نظرنا إلى هذا الأمر من وجهته السلبية فربما تؤدي بعض النشرات إلى تأجيج مشاعر الحسد والغيرة والحقد. وقد تكون سبيلاً سهلاً للشتائم والانتقادات اللاذعة التي يعطي بعض الأشخاص أنفسهم الحق بإطلاقها في حال قرأوا ما لا يعجبهم أو رأوا ما لا يتناسب مع توجهاتهم أو يتناقد معها… خصوصاً أولئك الذين لا يشعرون بالراحة النفسية إلا حين ينتقدون الأخرين ويقللون من شأنهم، ويتخذ بعضهم دور القاضي والجلاد فيصدر أحكامه على هذا بالكفر والمعصية وعلى آخر بالفساد وارتكاب الفاحشة، ويظنون بذلك أنهم منزهون وهدفهم من كل هذا الإصلاح.

أما النشرات النفسية اللاذعة المقيتة التي كثيراً ما تستوقفني على بعض المواقع الاجتماعية وتجعلني أُفكر بعمق في البعد النفسي لأصحابها والمتفاعلين معها… فهي تلك الموجهة للمرأة العربية في السلطة أو في المراكز المتقدمة…  فنجدهم من الجنسين يكشفون عن عقدهم النفسية، ويضيئون كم النقص الكامن في شخصياتهم، ويفرّغون شحنات الغضب التي تسري في شرايينهم وكل ذلك من خلال إعطاء أنفسهم الحق بالتطاول على كرامتها وشرفها ودينها، بالإضافة إلى التشكيك في ثقافتها وعلمها ومؤهلها وأهليتها، ويصبون جام غضبهم عليها باستخدام الألفاظ السوقية المبتذلة التي تدل على انهيار ثقافتهم، وتشير إلى إفلاسهم الأخلاقي، وتكشف عن عللهم الفكرية… وكأن تلك المرأة الوزيرة أو النائب أو المديرة ليست أم أحدهم، أو أخت أحدهم، أو ابنة أحدهم، أو زوجة أحدهم. وكأنها سبب كل مآسيهم والواقع الاجتماعي المرير الذي يعيشونه. أقرأُ نقاشاتهم وردودهم على بعضهم البعض وأحاول أن أستشف الحالة النفسية اللحظية التي يحيونها، فأجدهم يهنئون المُعلق الذي يشتمها أكثر، ويُحيّون من يتجرأ عليها أكثر، ويهللون لمن يُحقّرها أكثر، فأشعر بنشوة النصر تغمرهم والسعادة تملأهم. يتطاول عليها الذكور ويقللون من شأنها كأنثى – لفظياً – ولا يوجد لدي أي تفسير منطقي لهذا الفعل سوى أنه السبيل الوحيد لإثبات فحولة مبتورة، وعنصرية جاهلية جندرية موروثة. أما النساء فتتطاولن عليها في محاولة منهن لإرضاء غرورهن وملأ فراغهن وتعبئة نقصهن، ولأنها بلا شك تضيء فشلهن.

ما أن يُطلق شخص بوق الانتقادات اللاذعة على امرأة إلا ووجد مئات الردادين والرداحين والشتامين يساندونه ويشدون على يده … وإن حصل ومرّ من يعارض يحصل على نصيبه من الشتائم، ولكل معترض صفة جاهزة لديهم، فالرجل ناقص الرجولة أما المرأة فمسترجلة.

وكل هذا يضعني أمام تساؤلات عديدة… هل بالإمكان تشخيص هذا الوباء المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وتصنيفه…؟ وهل تعلم هذه الفئة من البشر أنهم مرضى بحاجة إلى علاج نفسي جماعي مكثف…؟ وهل من دواء لهذا الداء…؟ والأكثر أهمية من ذلك كله، لم نستغرب تأخرنا وتقهقرنا وفساد ساستنا… طالما أن الشعوب غوغائية سطحية شتامة لوامة؟!

إن الحرية في مفهومها الحقيقي ثقافة راقية لا تُشرى ولا تُباع، وإنما صفة شخصية تُكتسب اكتساباُ، فهي الأناقة في النقد واللفظ والتعبير والمنطق والفكر ورؤية الآخر وتقبُّل المختلف ورفعة الذوق وغنى النفس ورضاها، وهي بكل تأكيد لا تخضع لشهادة أو مؤهل أو مكانة اجتماعية أو غنى أو فقر…………

 

د. منى الشرافي تيّم

About monaat

منى الشرافي تيم فلسطينية الأصل والجذور أردنية الجذع والفروع لبنانية الثمر والزهور ابنة الوطن العربي...فخورة بعروبتي عضو في اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين عضو في المنظمة العالمية لحوار الحضارات في العالم إصدارات: عدد 8 روايات: وجوه في مرايا متكسرة مرايا إبليس مشاعر مهاجرة وجدانيات: حروف من نور كالمنى اسمي نقد أدبي: أدب مي زيادة في مرايا النقد الجسد في مرايا الذاكرة أدب الأطفال: العربيزي والجدة وردة الإصدارات عن الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت المؤهلات:دبلوم في هندسة الديكور والتصميم الداخلي:الأردن دبلوم في إدارة الأعمال:إنجلترا ليسانس ودبلوم دراسات عليا في اللغة العربية وآدابها ماجستير في اللغة العربية وآدابها تخصص نقد أدبي واجتماعي, جامعة بيروت العربية بعنوان: "أدب مي زيادة من منظور النقد الأدبي والاجتماعي درجة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها تخصص نقد أدبي حديث (جامعة بيروت العربية) بعنوان: "الفن الروائي في ثلاثية أحلام مستغانمي دراسة تحليلية نقدية"
هذا المنشور نشر في عام. حفظ الرابط الثابت.

الرجاء ترك تعليق

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s