1- لماذا اخترت الكاتبة أحلام مستغانمي وأدبها في كتابك أو أطروحتك؟
في رسالة الماجستير تناولت بالدراسة: الأديبة ميّ زيادة… إحدى شهيرات عصرها، التي قدمتْ للأدبِ العربيِّ أعمالاً أدبيّة قيّمة، وحفلتْ صحافة عصرها ووسائلُه الإعلامية، بصور مشرقة من نِتاجها الأدبي، ونالتْ قصب السَّبق في أحاديث كبار الأدباء والشعراء، عن أدبها ومجالسها الأدبيّة، وإسهاماتها الفكريّة، وآرائِها المتنوعة في كثير من قضايا عصرها.
واليوم في أطروحة الدكتوراه تناولت بالدراسة: الروائية الجزائرية، التي تُعدّ من أبرز المؤلفين في الرواية العربية الحديثة، الذين ذاعَ صيتُهم في الوطن العربي، خلال السنوات العشرين المنصرمة.
واستقطبتْ روايات أحلام مستغانمي الثلاث، اهتمام جمهور واسع، متنوعٍ من القراء، من جميعِ المستويات الثقافية، واستولدتْ ردودَ فعل مختلفة لافتة؛ كما أثارت حولها جدالاً واسعاً، وحركةً نقديةً ناشطة، بلغتْ شأواً بعيداً من التناقض في الآراء، والتقويمِ، بين مستحسن ومستقبح، ومُعجب ورافض، وأحدثتْ إشكالاً واسعاً، وطرحتْ علامات استفهام كثيرة، وصلت إلى التشكيك بأحلام مستغانمي صاحبة رواية ذاكرة الجسد، والذهابِ إلى حدود نسبتِها إلى آخرين. ما دفَعني إلى التوقف عند تجربتها هذه، وحفزني إلى التفكير بالقيام بدراسة علمية أكاديمية لتوضيح حقيقة أدب هذه المرأة قي ثلاثيتها الروائية، من خلال إضاءة عدد من القضايا.
2- ألم تكوني قاسية في حكمك على أدب مستغانمي؟ وإن كانت دراستك تتصف بالموضوعية الهادئة إلا أن ذلك لا يخفي رأياً رافضاً للكاتبة، ففي محصلة الأمر، أو على الأقل، تقلل أطروحتك من أهمية الكاتبة؟
لا تنطبق على هذه الدراسة صفة القسوة أو اللين، لأنها لم تحكم على النصوص بدافع شخصي، بل تعاملت مع النص الأدبي كوحدة منفصلة تماماً عن شخصية أحلام مستغانمي كونها كاتبة مشهورة.. البحث وما توصل إليه من نتائج كان الحكم والفصل، فكتابي هو دراسة علمية أكاديمية موثقة، توغلت في نصوص أحلام مستغانمي، وحللتها وشرّحت بنيتها، ورسمت صورة موضوعية حيادية لفن هذه الكاتبة في ثلاثيتها وبينت مقوماته ووضحت خصائصه، وهذه الدراسة في حقيقتها ما هي إلا إسهام علمي خرج بتقويم حقيقي لنصوص الثلاثية، وربما هناك من وجد أن النتائج التي توصلت إليها الدراسة لم تصب في مصلحة أحلام ككاتبة. أما على المستوى الشخصي، فقد التقيت أحلام مستغانمي في بداية دراستي، مرتين في معرض الكتاب في بيروت، وهي سيدة لطيفة وودودة جداً، وفي مكالمة هاتفية بيننا أخبرتها بأنني أجري دراسة عن ثلاثيتها ورحبت بالأمر. واتفقنا أن نلتقي كي أجري معها حواراً عن حياتها وشخصيتها، إلا أنني لم أعاود الاتصال بها، لإحساسي أن عدم التواصل في هذه المرحلة هو أفضل لأكاديمية الدراسة وموضوعيتها.
3- كيف تنظرين أو تقرئين في أدب وكتابات المرأة العربية اليوم، أين تطورت وتقدمت وأين أخفقت؟
لقد تمكنت المرأة العربية من إثبات وجودها في معظم مجالات الحياة، وعلى وجه الخصوص في مجال الأدب والفكر والكتابة، ولا أحد يستطيع أن يجزم أين تطورت المرأة وتقدمت وأين أخفقت؟! فالتطور يشمل السلبيات والإيجابيات، وكثيرات هن الأديبات اللواتي جارين التطور، وانفتحن على كل جديد ونهلن منه كما هو، وفي كثير من الأحيان قلدنه تقليداً أعمى، أما التقدم فهو الارتقاء بالعمل وتقديم الأفضل، وكثيرات هن الكاتبات اللواتي انتفعن من التكنولوجيا والانفتاح، وقدمن أعمالاً جليلة عالجن من خلالها قضايا مجتمعاتهن الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية. والإخفاق الوحيد الذي تسجله المرأة في مجال الأدب، حين لا تكون نفسها، أو حين أن تخرج عن طورها وخصوصيتها وكينونتها، كي تجاري ظاهرة ما، من أجل الشهرة والانتشار، أو مكسب مادي.
4- دائماً اسم الشاعر أو الكاتب أو الأديب هو الأساس، نادراً ما يتقدم اسم الشاعرة والكاتبة، أما زال الأدب الذكوري مهيمناً، وهل هناك ما يسمى بأدب المرأة وأدب الرجل، ما رأيك؟
أنا أنظر إلى النص الأدبي بحيادية وموضوعية، فقد اطلعت على أعمال أدبية كثيرة لنساء ورجال، ففي كثير من الأحيان قرأت أدب الرجل فأعجبني… وفي كثير من الأحايين قرأت أدب المرأة فأعجبني…
ليس للإبداع هوية، فالإبداع يتجسد حين يتمكن الكاتب أياً كان أن يبث حروفه معنى الحياة.. حين ينبض الحرف مع نبض القلب فيسيران معاً بالتوازي… حين يحرك النص في مقلتي دمعة .. حين يشعر القارئ أن الكاتب عبّر عنه وعن ما يدور في مكنونات نفسه.. حين يعالج الكاتب قضية خطيرة تحتاج إلى كتب لتغطيتها فيختزلها في سطور جزلة المعنى غنية الصورة، عميقة الأبعاد.
أما بالنسبة إلى المرأة المبدعة فهي تطرح في نصوصها همومها وهواجسها ومخاوفها، لأنها تنطلق من ذاتها الأنثوية، التي تختلف عن الذات الذكورية، لذلك هي مختلفة.. واختلافها لا يُنقص من إبداعها وقدرتها على الخلق والتصوير والتحليق في عوالم لا تصلها إلا الأنثى، فليس عيباً أن يتسم أدب الأنثى بالأنثوية.
إن فكرة تحديد هوية الإبداع وحصرها بالرجل.. هي من الأسباب التي جعلت بعض الأديبات وخصوصاً الروائيات يكتبن باسم الرجل، ربما من أجل مناطحته، أو كي يثبتن أنهن قادرات على التكلم بلسانه والتعبير عن مشاعره والتفوق عليه، الأمر الذي رسخ هذا المفهوم في ذهن بعضهن. وهذا ما فعلته الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي.. فقد عاشت مشاعر الرجل ولبست ثوبه الداخلي، فكتبت بعاطفته وكل ما اعتملها من مشاعر وأحاسيس من خلال صورة الراوي الذكر، ثم طغت عليه بعاطفة الأنثى الكاتبة المتمثلة في صورة البطلة.
كثيرون يقولون أن نزار قباني في بعض قصائده التي كتبها على لسان الأنثى قد تفوق عليها.. وأنا أقول هو لم يتفوق عليها، بل عبر عنها من خلال عاطفته هو، ومن خلال ما ينتظره منها كرجل، لا من خلال ما تودّ هي تقديمه. أما كون الرجل في أدبه قادراً على التعبير عن احتياجاته الذكورية للمرأة كجسد، وأن المرأة خجولة في هذا المجال، فهذا الأمر ليس له علاقة بالإبداع، بل علاقته تتأتى من خلال المجتمع الذي قد يتقبل من الرجل الخوض في المواضيع الحساسة، ويحكم على المرأة بالانحلال إن هي تجرأت وكتبت عنها.
5- أصدرت أكثر من رواية وأكثر من كتاب شعر، أنت روائية أو شاعرة، أو ماذا…؟
نعم لدي (8 إصدارات) أربع روايات: الأولى، اجتماعية بعنوان: وجوه في مرايا متكسرة، والثانية، سياسية بعنوان: مرايا إبليس، والثالثة، نفسية بعنوان: مشاعر مهاجرة، والرابعة تعليمية للناشئة بعنوان: العربيزي والجدة وردة، وهذه الرواية اُقرّت في معظم المدارس الخاصة والرسمية في لبنان، كما أقرتها وزارة التربية والتعليم في الأردن، واعتمدتها بعض المدارس في المملكة السعودية والإمارات العربيّة في مكتباتها كمادة للقراءة. وكتابين في الوجدانيات: الأول بعنوان: حروف من نور، والثاني بعنوان: كالمنى اسمي. وكتابين في النقد الأدبي: الأول بعنوان: أدب مي زيادة في مرايا النقد، والثاني بعنوان: الجسد في مرايا الذاكرة (الفن الروائي في ثلاثية أحلام مستغانمي، دراسة تحليلية نقدية). أما سؤالك عن هويتي الأدبية، فليس للأديب الذي يملك قماشة الكلمة والأدب هوية محددة، فهو قادر أن يصول ويجول في كل الاتجاهات الأدبية، ويعبر عن كل ما يدور في خاطره ومن حوله، أو كل ما يحرك أحاسيسه ومشاعره. ولكن ما أودّ الإشارة إليه أنني لا اعتبر نفسي شاعرة، أنا أسجل وجدانياتي وأترجم مشاعري ومشاعر الآخرين حين يصلني صدقها. هذا بالإضافة إلى أن لي مشاركة بحثية في الكتاب الأكاديمي “لغة الشباب العربي في وسائل التواصل الحديثة” الصادر عن مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز الدولي، ويحمل بحثي عنوان الكتاب. أما النقد الأدبي، فهو ساحتي، التي أتحرك فيها بحرية، وخصوصاً حين أتمكن من الغوص في ثنايا النص الذي أقرأه، وغالباً ما يكون النص هو المحفز للنقد.. ولكن ليس الانتقاد، فشتان بين المعنيين.
6- لماذا تكتبين، ولمن؟
الكتابة بالنسبة إلي حياة ثانية، ومن عالم الخيال الذي أسافر إليه أثناء الكتابة، استمد الطاقة الإيجابية، التي تجعلني استمر. وأكتب لأنني أحمل رسالة الحلم والأمل والخير والصلاح والحب.
7- ما هو جديدك؟
بعد أن حصلت على درجة الدكتوراه، دخلت المجال الأكاديمي والتعليم الجامعي، فأنا في الوقت الحاضر أُدَرس مادة الكتابة الإبداعية باللغة العربية في الجامعة اللبنانية الأمريكية. وأُدرّس مادة اللغة العربية وآدابها في الجامعة اللبنانية الدولية. وقد تمكنت من خلال تعليم مادة الكتابة الإبداعية أن أزرع حب اللغة العربية في وجدان الطلاب. وتبيّن لي أنها ما زالت حيّة تنبض في قلوبهم، فقد تمنكنوا من كتابة المقالة والشعر وتأليف روايتين للناشئة، الأولى تحت عنوان “فلنبدأ حكايتنا”، والثانية تحت عنوان: “عودة من العدم”. وإلى جانب التعليم الجامعي كان لي نشاط مميز مع طلاب مدرسة “الليسية فردان” في تأليف جماعي لروايتين ستصدران قريباً بإذن الله عن طريق المدرسة، الأولى تحمل عنوان: “صدىً وأغنية”، والثانية تحمل عنوان: “آخر مختلف”.
أما في ما يختص بجديدي على المستوى الشخصي، فسأبدأ قريباً كتابة رواية.. فكرتها أصبحت جاهزة في ذهني!
8- متى تكتبين الشعر ومتى تكتبين الرواية؟
الشعر الذي هو بالنسبة إلي (وجدانيات)، أكتبها في الأوقات التي تتحرك فيها مشاعري وأحاسيسي، لحظات الحب.. السعادة.. الفرح.. الحزن.. الرفض.. الاستنكار.. الألم. أما الرواية، فأكتبها حين تختمر فكرتها في ذهني، وحين أرى شخصياتها تتحرك أمام ناظري، وحين ترتسم أحداثها صوراً تعكس الواقع والمجتمع… وحين ينضج كل ما سبق مع خيالي!
9- كيف تلخصين كتابك الجديد بكلمات؟
كقِطَعِ الفسيفسائيّة
تبعثرت صورُ الرواةِ في مرايا ثلاثيةِ أحلام مستغانمي
فتناثرَتْ جسوراً عبرَها الجسدُ على ظلالِ ذاكرة
وأبحرَتْ على مراكبِ الكلماتِ في فوضى من حواس
ثم رستْ معَ آخرين على أسرّةٍ عابرة
وحين احتارَ في أمرِها القارئُ والناقدُ معاً
جَمَعَتْها الدكتوره منى الشرافي تيم وفق قولها على هيئةِ كتابٍ أسمتْه
“الجسد في مرايا الذاكرة”..