ما أعلاها تلك الأصوات المنادية ضد حكم الإعدام، وما أكثرها تلك الجمعيات الحقوقية التي ترفض إقراره، وكلّ ذلك بحجة عدم مواجهة العنف بالعنف… ؟!
أمّا أنا اليوم فسوف أصمُّ أذني عن سماع تلك الأصوات العالية وهرتقاتها، وسوف أصرخ بكل ما أوتيت من نَفَسٍ في مواجهة تلك الجمعيات الحقوقية غير المحقّة الرافضة لإقرار حكم الإعدام. وقلمي سوف يكتب بحبرٍ قاتم غاضب ضد سلطات غائبة عن إحقاق الحق… عاجزة عن الضرب بيد من فولاذ… متراخية في حفظ أمن المواطن وكرامته. فالعنف إذا لم يتم ردعه بما يتناسب مع الفعل العنفي المُرتكب سوف يجرّ مزيداً من الأشكال العنفيّة المتقدمة والمبتكرة التي نراها ونسمع بها يومياً وعلى مدار الساعة. والجريمة إذا لم يتم الاقتصاص من مُرتَكِبها ستصبح عملاً انتقامياً متاحاً لكل من تسري في شرايينه دماء الإجرام.
القصاص في شريعتي الإنسانية على هذه الأرض وفي زمن العبث يجب أن يكون من نوع الجرم، كي يعتبر كل من تسوّل إليه نفسه ارتكاب الفعل الجُرميّ. والقصاص المُحِق فيه حماية ووقاية من إيقاظ روح الشر والثأر داخل مظلوم لم يأخذ حقه من أن يتحول إلى مجرم، فنكون قد ساعدنا في خلق مجرم لم يكن يوماً مشروع مجرم، فيزداد بذلك عدد المجرمين مجرماً جديداً، اقتص لِما وقع عليه من ظلم بيده.
يقولون أن قصاص السجن فيه إصلاح وتأديب، هذا إن تمّ سَجن المذنب؟! وهذا إن كان السجن مكاناً مناسباً لإعادة التأهيل، وليس مكاناً لإنماء روح الأجرام وتغذيتها وتفعيلها، فيخرج الذي كان مسجوناً بذنب صغير من السجن مجرماً كبيراً؟! ولكن الكل يعلم أنه في كثير من الأحيان يكون المجرم العتيد تابعاً “لسلطة” أقوى من سلطة الدولة، أو كأن يكون صاحب مال وأعمال يُتخم جيوب رجال السلطة بالمال، فينجو ذلك وذاك بجرائمهما في كل مرة. وانطلاقاً مما سبق تشتعل داخل كل إنسان يتنفس مشاعر الحنق والغضب، فكيف يبقى حيّاً من قتل نفساً بدمٍ باردٍ عن سبق إصرار وترصّد… فهل يَصْلُح من قتل عمداً؟ وكيف ينجو من العقاب من اغتصب أعراض الناس وانتهك حرماتهم… فهل يَصْلُح من اغتصب فتاة أو فتىً بسبب شهوة حيوانية؟ كيف يَنفُذ مِنَ العقاب مَنْ تاجر بالمخدرات ومَنْ روّجها.. فهل يَصْلُح من دمّر مستقبل الشباب وحرق أرواح ضحاياه من أجل أن يملأ أرصدته في البنوك؟
من أجل ذلك، يجب إزهاق روح كلّ من أزهق روحاً بالاسلوب والسلاح نفسه. والمغتصب يجب أن يُقَطَّعَ إرباً إرباً أمام مرأى كل البشر. أمّا تاجر المخدرات فلا بدَّ من أن يتذوّق سمومه، وحين يصل إلى مرحلة الإدمان.. يتم حرمانه منها وتعاد العملية معه مراراً وتكراراً.
إن تراخي السلطات المسؤولة عن أمن المواطنين لا يُسهّل للجرائم المنظّمة فحسب، بل يُسهل أنواعاً آخرى من الجرائم غير المنظّمة، وأكثرها خطراً هي القتل الخطأ الذي يتسبب به بشكل رئيسيّ الانفلات الأمني الذي يؤدي إلى استخدام السلاح المرخص وغير المرخص عند الغضب وعند الفرح. فعلى سبيل المثال لا الحصر، مَن غضب بسبب قرار سياسي مخالف لساسته، يُطلق مئات الرصاصات في الهواء كي يعبّر عن غضبه ورفضه. ومن فرح وابتهج يُطلق مئات الرصاصات في الهواء فرحاً وابتهاجا بكلمة ألقاها مسؤوله، أو نجاح ولده أو ابنته في الشهادة الإعدادية أو الثانوية – هذا غضِب والآخر ابتهج – فاخترقت رصاصات ذلك وذاك رأس فلذة كبد أمٍّ كانت تحلم لطفلها بغدٍ جميل، أو قلب رجل تنتظره أسرته أن يُحضر لها قوت يومها، أو بطن رجل مسنّ جلس على شرفة بيته يأخذ قيلولته، أو ظهر شابٍ كان يتنقل بشبابه من مكان إلى آخر بكل رشاقة وأمل، فأقعدته الرصاصة في كرسيٍّ نقال لبقية عمره….
ماذا عساي أن أقول في مقال بإيجاز: عن بلادٍ رَخُصت فيها النفس الإنسانية… بلاد الانفلات الأمني… بلاد تعدد السلطات… بلاد الزعران… بلاد العصبيات والطائفيات… بلاد الشياطين التي تخطب باسم الأديان… هذا يغضب لأن هناك من لم يتمكن من التنحي بسيارته جانباً كي يمرّ هو، فيلحق به ويعترض طريقه ويطعنه عدة طعنات في كل أنحاء جسده حتى الموت. وذاك يغضب لأن صاحب الدكان لم يُسرع في تلبية طلبه فيفرغ في رأسه عدة طلقات. وآخر يضرب زوجته حتى الموت….
في نهاية هذا المقال، الذي تنبض فيه حروفي ثورة وغضباً – أتساءل- ماذا عساي أن أقول في زمن العبث؟
د. منى الشرافي تيّم