الخيانة كلمة تتردد على ألسنة الكثيرين، فهي فعل شنيع يطال عدداً كبيراً من مناحي الحياة، ومعنىً أقبح يتوغل في القضايا الاجتماعية على تنوعها، ولصورها في الذهن أبعاد تُعلم في النفس الإنسانية كما الوشم المنقوش بدقة متناهية على الجسد، يصعب محوه، على الرغم من سهولة تغطيته عن أعين الناس بقطعة من قماش.
أما أشكال الخيانة الأكثر شيوعاً في وقتنا الحاضر، فهي الخيانات الزوجية التي تتخذ صوراً عديدة. أما دوافع أصحابها ومرتكبيها فكثيرة، وهي تتمثل عند الرجل في: الملل، الروتين، الثراء، إرضاء الغرور، وإثبات الفحولة. وتتمثل عند المرأة في: الفراغ العاطفي بكل أشكاله، إثبات الأنوثة، والانتقام للكرامة من رجل خائن. وعلى الرغم من اختلاف أشكال الخيانات ودوافعها، فهي على المستوى الإنساني فعل جارح نتائجه وخيمة على الجميع.
إن اتساع رقعة الخيانة في هذه الأيام، تشير إلى أنها موضة عصرية يتم انتقالها من شخص إلى آخر بفعل التقليد والتجريب، أو المتوفر والمتاح، وهناك من يتبنى تلك الموضة ويترجمها على أرض الواقع فعلاً ومضموناً من دون قراءة أبعادها أو التفكير في نتائجها. وهناك من يعيشها في عالمه الافتراضي، فيتوارى خلف شاشة بصورة ليست صورته، أو يتخفى وراء اسم وهمي لا يشبهه، وهذا الأمر يشمل الرجل والمرأة.
من المعروف في العرف الذكوري العربي أن الذي يخون هو الرجل. وخيانة الرجل لزوجته قد تكون مكروهة لدى المجتمع، إلا أن هذا المجتمع نفسه ما يلبث أن يغفر له ويعذره، حتى وإن حصل وكررها أكثر من مرة. أما الزوجة فعليها أن تتقبل هذا الأمر (وما تخرب بيتها)، وعليها أن تعتبر تلك الخيانة نزوة مرّت، أو ربما تمر على خير وسلام. هذا إن لم تُترجم تلك الخيانة بالزواج، الذي قد يحصل لعدة أسباب، أهمها: تعلّق الرجل بالمرأة الأخرى. أو حادث حمل أدّى إلى اتخاذ قرار سريع، فإما الإجهاض؛ وهو الحل الأكثر شيوعاً، وإما الزواج، كي لا يأتي إلى هذه الدنيا طفل لقيط ينشأ بلا اسم، أو أب، أو أسرة. وقد يحصل أن لا تقبل الزوجة بهذا الأمر الواقع، أو تلك النزوة، حفاظاً على كيانها ووجودها وكرامتها، فتطلب الطلاق، والنتيجة الفعلية لهذا الطلاق تشتت الأسرة والأولاد. وإن لم يحصل الطلاق لأسباب كثيرة؛ منها الاجتماعية والاقتصادية، فربما تبحث الزوجة عن بديلٍ تُرضي به غرور أنوثتها المذبوحة، أو كأن تقوم بردة فعل انتقامية، فتخونه كما خانها مع أول طارق لبابها، دون أن تفكر أنها بهذه الفعلة، ترتكب أكبر جريمة في حق نفسها وحق كرامتها التي انتفضت من أجلها. أما إن حصل واكتشف الزوج الذكر خيانة زوجته له، عندئذ تقوم القيامة، وينتفض لكرامته ورجولته، وقد تصل ردة فعله إلى القتل؟!
ولا بدّ هنا من التوقف عند فئة من النساء اللواتي يكتشفن أن لأزواجهن علاقات بنساء أخريات، فيبدأن بجلد أنفسهن وإلقاء اللوم على ذواتهن، ظناً منهن أنهن قد قصرن بواجباتهن تجاه أزواجهن، الأمر الذي أدّى بالزوج المسكين إلى البحث عن امرأة أخرى تعوضه عن تقصير زوجته. عندئذٍ تبدأ تلك الزوجة المقهورة المصدومة بالبحث عن كل السبل المتاحة لها لاستعادته، فهو رب أسرتها ووالد أولادها، فضلاً عن أنها أضاعت معه عمرها وشبابها، ووقفت إلى جانبه في السراء والضراء، فهي التي تعبت وسهرت وصبرت، انطلاقاً من هنا تبدأ محاولات تغيير نفسها، وشكلها، وتصرفاتها، كي تتفوق على تلك الأخرى التي أعجبت زوجها ولفتت نظره. ولتلك المرأة أقول لا تجهدي نفسك بالمحاولات الفاشلة لاسترجاع من لا يستحق الرجوع، بل ابحثي في أعماق نفسك عن مصادر القوة فيها، وابني لذاتك عالماً مستقلاً، لا يدور في فلك الزوج ورغباته ونزواته وحضوره وغيابه، واصنعي لنفسك صرحاً يحميك من طوارئ الزمن التي لم تكن لتخطر إليك على بال، وذلك لأن الرجل الذي ارتبط عاطفياً بامرأة أخرى من الصعب استعادته، وإن عاد بفضل ضغط الأسرة والبيت والصورة الاجتماعية التي هي أشبه بالمسرحية الهزلية، فسيعود جسداً بلا روح، حينئذٍ سيتساوى لديك الحضور والغياب… وهذه العودة إن حصلت نتيجة ندم الزوج، فربما تجلب معها إليك مشاعر الشك الحارقة والكثير من الألم والغصة.
أما العُرف الجديد الذي بدأ بالظهور في مجتمعنا العربي العصري الحديث، هو ما يمكن تسميته بخيانات “غض الطرف” وهي موقعة بحبر الصمت وقبول الطرفين، فلا انتقام للأنوثة، ولا انتفاض للذكورة، أما الكرامة فدخلت في سباتها العميق. ولا بد هنا من الإشارة إلى فوائد هذا العرف الجديد ومكاسبه عند أصحابه… تبدأ بالمحافظة على الصورة الاجتماعية للأسرة القائمة على أسس زائفة، وتمر بالصفقات التجارية التي تتم جرّاء هذه التبادلات العاطفية والجسدية، وتصل إلى علاقات متاحة ومتوفرة، من دون التزامات!… فقط… من أجل المتعة وقضاء المصالح!
وأخيراً، لا بدّ من الإشارة إلى… “صرع العصر”.. وهو اكتشاف بعض النساء علاقات أزواجهن الحميمة المثلية…!
منى الشرافي تيّم