المشاعر الإنسانية أُنثى.. والعقل والفكر رجل؟!

كم هي محيرة تلك المشاعر الإنسانية التي حين تنطلق من القلب، تفتعلها النفس، ويجترّها العقل، فتصبح ملمحا تعكسه العين في مرآة الوقت الضائع، على روابي انتظارِ وهمٍ خطّه الخيال في لحظاتٍ من تأملٍ وأملٍ بحياة لها نكهة الزهر البري، الذي ينمو ألواناً في الحقول المتحررة من سياج إنسان نسي أنه روح لا تحلّق إلا على نسمات الحس ولا تحط إلا على شرايين الشعور.

قد يقولون أن الكلام عن المشاعر الإنسانية واختلاجاتها الشعورية، ما هو إلا ثرثرة شعراء لا تُطعم ولا تُغني من جوع. وأتساءل ما هي فائدة شبع البطون..  طالما أن الأرواح فارغة تقارع في صلابتها المعدن الذي يُدفع ثمناً لجلب مختلف أنواع الأطعمة، العادية منها والفاخرة، التي تملأ معدة، ما تلبث أن تطحنه، حتى تتخلص من فضلاته في دورة آلية من عمليات الامتلاء والإفراغ. ومهما كبرت آلة الإنسان الطاحنة للطعام، يبقى استيعابها له محدوداً، وكلما كانت كمية الطعام أكبر وأكثر دسماً، كلما أثقلت الجسد بكميات الدهون التي تُعيق حركته، وتجلب له الأمراض، وقد تصل به إلى الموت. والسؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن في هذه اللحظة، هو حين يجوع الإنسان اليوم، هل يتذكر أنه قد ملأ معدته بلذيذ الطعام في اليوم الذي سبقه، وهل تشبع جوعه هذه الذكرى؟

إن ما أوردته عن الطعام وعمل المعدة لم يكن هو المعنى المرجو بحد ذاته، ولكنه الصورة المُثلى التي ارتأيتها كي تصل رسالتي إلى هدفها، لأن الجوع والشبع المعوي آني، أما الجوع الشعوري، فهو هوّة تكسر النفس، وتجمّد القلب، وتسحق الروح وتقتل المعنى. إن المشاعر الإنسانية، إن أُعطيت هواها، فهي فضاء غير قابل للامتلاء، وكلما أضفت إليه يتسع، ويرغب بالمزيد. وحين تمتلئ النفس في ساعة ما.. من المشاعر المتنوعة، كالحب والحس والحنان والألفة واللمسة والحضن والقبلة والرغبة والكلمة الهامسة الدافئة، سوف تكون هذه الساعة بمثابة وقود يعيد إنتاج نفسه في كل مرة تستعيد فيه الذاكرة ذلك المشهد، الذي حين حرك النبض، عشقته الروح، واستمدت منه النفس ما يليق بها كي تتنفس.

يقولون أن المشاعر الإنسانية أنثى لأنها ضعيفة، وأن الرجل عقل وفكر لأنه قوي. وأقول أن المشاعر الإنسانية أوجدها الله في الجنس البشري على السواء، كي يكون للحياة معنى، وللبقاء قضية، وللوجود حكاية. إن الأفكار الخاطئة التي نشأنا عليها جعلتنا نخسر الكثير من جماليات الحياة، وأساسيات السعادة التي منحنا الله إياها. وحين اقتنع الرجل أن المشاعر الإنسانية أنثى كتم مشاعره، واعتبرها نقطة ضعفه، فأبى أن يعبّر عنها أو يترجمها بشكل عملي، واستبدلها بفكرة ذكوريّة حرمته لذة العمر. وحين اقتنعت المرأة أن المشاعر الإنسانية أنثى، احتفظت بها في نفسها ولنفسها، فكانت بالنسبة إليها كالجمر المتوهج غير القابل للاشتعال، فحلم المراهقة والصبا بفارسها الذي سيأتيها على فرسه البيضاء سيشيخ معها… وتموت تنتظر!

إن انفصام الرجل الشعوري في كثير من الأحيان لا يكون إلا مع النساء في بيته – أمه، زوجته، أخته، ابنته- فهو الرجل القوي، صخريّ الملامح، معدنيّ المشاعر. أمّا مع النساء خارج بيته، فهو شعلة من الشعور، لا يتلعثم لسانه عند التعبير، ولا يجد في نفسه الحرج إن سنحت له الفرصة، أن يغدق بكلام الغزل ويُخرج الشحنات العاطفية المكبوتة داخله، والتي هو أحوج ما يكون إليها.

تمضي السنون وتطوي في طريقها الأعمار الهاربة… ويبقى الحب ثرثرة كلام.. والعشق حلم بعيد المنال.. والرغبة مشهد تمثيلي على شاشة في فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني.

إن الدراسات الحديثة المتعلقة بعلم النفس الحديث، تؤكد أن السعادة الحقيقة موجودة، وهي في متناول الجميع، فهي تكمن في المقدرة على التعبير عن المشاعر الإنسانية من قِبل الجنسين، وترجمتها إلى أفعال. فللقبلة مفعول السحر، وللحضن طعم الأمان، ولهمسات الحب أجمل الأنغام. كما أن الدراسات نفسها تؤكد أن مقبرة السعادة تكمن في اعتبار الشريك مسلّمة من المُسلّمات… فقد تتحول هذه المُسلّمات في حين غفلة إلى جسد بلا روح!

 

د. منى الشرافي تيم

About monaat

منى الشرافي تيم فلسطينية الأصل والجذور أردنية الجذع والفروع لبنانية الثمر والزهور ابنة الوطن العربي...فخورة بعروبتي عضو في اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين عضو في المنظمة العالمية لحوار الحضارات في العالم إصدارات: عدد 8 روايات: وجوه في مرايا متكسرة مرايا إبليس مشاعر مهاجرة وجدانيات: حروف من نور كالمنى اسمي نقد أدبي: أدب مي زيادة في مرايا النقد الجسد في مرايا الذاكرة أدب الأطفال: العربيزي والجدة وردة الإصدارات عن الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت المؤهلات:دبلوم في هندسة الديكور والتصميم الداخلي:الأردن دبلوم في إدارة الأعمال:إنجلترا ليسانس ودبلوم دراسات عليا في اللغة العربية وآدابها ماجستير في اللغة العربية وآدابها تخصص نقد أدبي واجتماعي, جامعة بيروت العربية بعنوان: "أدب مي زيادة من منظور النقد الأدبي والاجتماعي درجة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها تخصص نقد أدبي حديث (جامعة بيروت العربية) بعنوان: "الفن الروائي في ثلاثية أحلام مستغانمي دراسة تحليلية نقدية"
هذا المنشور نشر في عام. حفظ الرابط الثابت.

3 Responses to المشاعر الإنسانية أُنثى.. والعقل والفكر رجل؟!

  1. الدكتور محمد حسن العمري كتب:

    أتمنى أن يتاح لي الاطلاع على كتبك وبخاصة المتعلقة بالمرأة، فأنا اكتب بحثا مطوّلا عن خطاب الأنوثة في الثقافة العربية، وهو بعنوان عبور الأنفاق – قراءة في مكوّنات الخطاب الأنثوي وممكناته. والبحث طويل وأوشك على الانتهاء.
    الدكتور محمد حسن العمري – اربد

  2. التنبيهات: المشاعر الإنسانية أُنثى.. والعقل والفكر رجل؟! | منى الشرافي تيم

  3. اكرم خلف عراق كتب:

    الفقر والجوع والثراء والغنى هي صراع البشريه القائم على الكراهيه والمحبه معا. ما احوجنا الى عقول وافكار تلغي كل هذا الجشع الذي جعل انسانيتنا فقيره ضحله لا تميل الى الخير وحب الأنسان.

الرجاء ترك تعليق

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s