فكرتُ كثيرا في موضوع مقالة هذا العدد، وحين تزاحمت في رأسي المواضيع السلبية والكئيبة الطارئة على أيامنا وواقعنا، قررت أترك كل هذا جانباُ، وأزيح اللثام عن ذلك الجانب المضيء في دواخلنا، وهو تلك “الطاقة الإيجابية”، التي لا تحتاج إلى أيٍّ من المواد المادية، كالمال والجمال والشهادات والمناصب، التي يظن البعض خطأً أن امتلاكها قد يجلب السعادة ويحقق الآمال. هي الرصيد الكبير، والحقيقي الذي يكمن داخل كل نفس خلقها الله، وليس في البنوك!
إن الاكتئاب فكرة…. تبدأ في الذهن صغيرة ثم تكبر وتنمو، فتتحول إلى موضوع، ثم يتطور الموضوع إلى قصة مكتملة العناصر، مادتها (الطاقة السلبية) التي إن تحكمت.. حكمت! فخلاياها مجنونة تتمدد في الشرايين مع كل نفس نتنفسه. ولكن إن عدنا إلى تلك الفكرة وحللناها بالعقل والمنطق، فقد نجدها أساساً فكرة (غير صحيحة)، أو ربما مشكوك في صحتها. ولنفترض أنها صحيحة! فلم لا تبقى الفكرة (فكرة) في حجمها ومضمونها من أجل أن نتمكن من السيطرة عليها، والخروج من أتون لهيبها؟!
ما أودُّ قوله هو أن لا نسمح لفكرة سلبية طارئة، تتحكم بنا وتسيطر على إدراكنا، لذلك لا بدّ من وضع حدّ لتمددها على وجه السرعة، بأن نستبدلها بفكرة أخرى إيجابية… وهذا أمر على قدر كبير من الأهمية، لأن الاكتئاب إن تسرّب إلى النفس، فمن شأنه أن يضعفها ويقتحم مناعتها، فتتغير الألوان ويتبدل طعم الأشياء، وتهتز حينئذٍ الثقة بالنفس وتختل القدرات، وبالتالي فإن معظم القرارات التي تُتخذ في هذه الأثناء تكون خاطئة، ويكون لها تأثير كبير على المستقبل، وعلى العلاقات الإنسانية القريبة منها والبعيدة.
قد يكون الكلام سهلا عند التشخيص والتوصيف، ولكن لنتذكر أن الفكرة السلبية في الرأس كالجمرة الملتهبة، تتحضر لتصبح حريقا يأكل الأخضر واليابس… ولا يُبقي غير (الرماد).
إن الطاقة الإيجابية هبة من الله منحها لكل البشر، ولكنها هبة كامنة في أعماق النفس الإنسانية، وهي بحاجة إلى الغوص في تلك الأعماق للكشف عنها، والخروج بها إلى السطح، من أجل الإفادة من مفعولها الذي يشبه السحر، فهي القادرة على استقطاب الخير الكثير لذات صاحبها، وللذوات المحيطة به. فالطاقة بشكليها الإيجابي والسلبي، طاقة مُعدية، تنتقل من الفرد إلى الآخر بسرعة. والأكثر حظاً هو ذلك الذي تنتقل إليه ذبذبات الطاقة الإيجابية، فيهنأ بها قليلاً، وإن كان ذكياً يهنأ بها طويلاً، حين يكتشف خارطة طريقها في أعماقه. أما الأقل حظاً هو ذلك الذي يستقطب تلك الذبذبات السلبية المنبعثة من الذات السلبية، فتتعسه قليلاً، وإن كانت مناعته ضعيفة، ستتمكن منه، وستجعله كئيباً ضعيف النفس والهوى.
أما الأمر الأكثر أهمية الذي لا بد من الإشارة إليه، هو أن العلم الحديث على الرغم من كل التطور والتقدم والاكتشافات المذهلة التي وصل إليها، بدأ يستخدم الطاقة الإيجابية ويعتمد عليها كعلاج لكثير من الأمراض التي عجزت الأدوية عن علاجها. فالعلاج بالطاقة الإيجابية يعتمد على شحن الفكر الإيجابي في ذهن المريض وتفعيله إلى درجة يقتنع بها بأنه سوف يشفى، وأنه أقوى من المرض نفسه، الذي اخترق جسده من دون استئذان، فيختل بذلك عمل الخلايا المصابة، ويضعف تمددها وانتشارها، وحين يكبر التحدي في ذهن المريض، يتضاعف أمله بالشفاء التام.
واليوم حين أكتب عن الطاقة الإيجابية المحيطة بنا… أشعر بها وحين تقرأون عنها ما أكتبه.. ستشعرون بها معي، فقد تبدو السلبيات المحيطة بنا كغيوم تحجب عنا أشعة الشمس، ولكن لو أغمضنا عيوننا للحظات قليلة، وفكرنا أن الشمس تكمن في دواخلنا، وأشعتها تملأ شراييننا سنتعرّف حينئذٍ إلى الطاقة الحقيقية التي تجعل اليوم أجمل، والأمل بالغد أكبر، والمشهد أنقى…!