للشعوب والأمم حضارات وثقافات وعادات وتقاليد قد تتشابه أو تختلف، وقد تتميز أو تتمايز، ويحصل لتلك الشعوب والأمم أن تتزاوج وتتناسل، من أجل الارتقاء بثقافات أوسع وأعمق وأرقى، وكلها تصب في قوالب تجديدية تقدّمية تؤسس لمستقبل أفضل، كي يحيا الإنسان في أجواء تليق بإنسانيته ووجوده على هذه الأرض التي خلقها الله وسخرها له، لذلك تحاول كل أمة من الأمم التي تحترم إنسانية شعوبها، غنية كانت أم فقيرة أن تؤمن لشعوبها ومواطنيها أبسط وسائل العيش الكريم الذي يحفظ كرامتهم وإنسانيتهم.
ولكن يحصل أن تكون لبعض البلدان مظاهر ثقافية أو حضارية من النوع المذل والمهين وغير الإنساني، مما يجعل منها عبرة تعتبرها الشعوب، وعلامة سوداء يدونها التاريخ بلا شفقة أو رحمة، ووشم لا يمحوه مرور الأيام ولا انطواء السنين، وأقرب مثال على هذا النوع من المظاهر الثقافية القديمة الجديدة، هي ثقافة القمامة والنفايات، التي عمّت شوارع لبنان وأزقتها وحواريها ومداخل بيوتها ومحالها. ذلك المَعْلَم السياحي لا بد من أن يثير الدهشة والعجب في عصر التطور والانفتاح والتكنولوجيا والعولمة، وربما يكسب إن دخل مسابقة (عجائب الدنيا)، استحوذ على اهتمام الدول الغربية والعربية واستقطب كاميرات التصوير المتطورة والحديثة، وملأت صورها المنوّعة والملونة قنوات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن تلك الصور التي التقطتها العيون وخزّنتها الأذهان. ومع تكدس جبال القمامة واتساع رقعة النفايات، ارتفعت الأصوات الطبية والصحية، المُحذرة من خطر انتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة، ودعت المواطنين إلى ارتداء الأقنعة الواقية كي تقيهم الأمراض والروائح الكريهة.
أما السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو على كاهل من تقع مسؤولية جبال القمامة؟ على المواطن الراضخ؟ّ! أم على المسؤول الأناني الذي لا يفكر إلا بنفسه وراحته وتكديس أمواله؟ إن المسؤولية الحقيقية تقع على كاهل المواطن الذي يتوجه إلى صناديق الاقتراع، كي ينتخب من يمثله ويتكلم باسمه في كل مرة، وكأنه واقع تحت تأثير المنوم المغناطيسي… المسؤولية تقع على كاهل المواطن الذي حوّل زعيمه إلى إله يشاء ويقدّر… المسؤولية تقع على كاهل المواطن الذي قبل بالعتمة، وارتضى الظلام، وغرق في أكوام قمامته وقمامة غيره، وتنشق روائحها وزفر أريجها. تلك القمامة التي ملأت الوطن وسمته بسماتها، لو أنها استُخدمت في مجال توليد الطاقة الكهربائية كما يحصل في الدول المتقدمة والمتحضرة، لجلبت الكهرباء وأضاءت حياة المواطنين وحسنت معيشتهم.
أما إذا اعتبرنا أن فيضان القمامة والنفايات، الذي عمّ لبنان هو كارثة من الكوارث الطارئة التي تتعرض لها الدول من وقت لآخر دون حول أو قوة، فهذا يعني أن أضرار الكارثة تصيب الجميع، فلا تفرق بين المواطن والمسؤول، ولكن هنا في لبنان الوضع مختلف، فإن أضرار الكوارث لها ناسها وأهلها، فلم يُسجَل أن عُثر على – سلة نفايات واحدة – بالقرب من بيوت المسؤولين. أما المواطن الأكثر حظاً والذي كُتب له النجاة، هو ذلك الذي يقطن بالقرب من بيت مسوؤل.
وكي نكون منصفين في أحكامنا، لا بد أن ننصف أصحاب السلطة والقرار والمسؤولية، فهناك وجه شبه واضح لا يقبل الشك بينهم وبين المواطنين، وهذا الشبه يتجسد في معنى ومفهوم كلمة تكديس، ففي الوقت الذي تكدست فيه جبال القمامة والنفايات على امتداد وطن، تكدست أرصدة مسؤوليه في البنوك.
إن التمادي عند المسؤول سببه الأساسي هو الرضوخ عند المواطن، فطالما أنه فاقد للصوت والقرار، راض بقسمته ونصيبه، فلن يشعر المسؤول بالخطر وسيبقى متربعاً على عرشه العاجي، يأمر من عليائه فيُطاع… هذا النوع من المواطنين لا يليق به إلا هذا النوع من المسؤولين. كلها أيام قليلة ويألف الناس مشهد القمامة ويتعودون عليه.
جبار يا شعب لبنان العظيم!
د. منى الشرافي تيّم
-
أحدث التدوينات
My Twitter
- https://t.co/ghEow3IYDQحوالي 5 days ago
- أمّي.. ثم أمّي.. ثم أمّي.. monaalshrafi.com/2023/03/21/%d8… via @MonaTayim لأن الأم في حياتها كبيرة جداً، ولكنها حين تغيب تصبح أكبر!!حوالي 1 week ago
- أمّي.. ثم أمّي.. ثم أمّي.. monaalshrafi.com/2023/03/21/%d8…حوالي 1 week ago
- https://t.co/2f9JcoqTkiحوالي 1 week ago
- ثقافي / معرض الشرقية للكتاب 2023 يُنظم مؤتمر الطفل الأول spa.gov.sa/2432850 التغطية الصحفية لمؤتمر الطفل… twitter.com/i/web/status/1…حوالي 2 weeks ago
الأرشيف
- مارس 2023
- فيفري 2023
- نوفمبر 2022
- مارس 2020
- جانفي 2020
- نوفمبر 2019
- جويلية 2019
- أفريل 2019
- مارس 2019
- جانفي 2019
- ديسمبر 2018
- نوفمبر 2018
- أكتوبر 2018
- سبتمبر 2018
- جويلية 2018
- جوان 2018
- ماي 2018
- مارس 2018
- جانفي 2018
- ديسمبر 2017
- نوفمبر 2017
- سبتمبر 2017
- أوت 2017
- جويلية 2017
- جوان 2017
- ماي 2017
- أفريل 2017
- مارس 2017
- فيفري 2017
- جانفي 2017
- ديسمبر 2016
- نوفمبر 2016
- أكتوبر 2016
- سبتمبر 2016
- ماي 2016
- مارس 2016
- جانفي 2016
- ديسمبر 2015
- نوفمبر 2015
- أكتوبر 2015
- سبتمبر 2015
- أوت 2015
- جويلية 2015
- جوان 2015
- ماي 2015
- أفريل 2015
- مارس 2015
- فيفري 2015
- جانفي 2015
- ديسمبر 2014
- نوفمبر 2014
- أكتوبر 2014
- سبتمبر 2014
- أوت 2014
- جويلية 2014
- جوان 2014
- ماي 2014
- مارس 2014
- فيفري 2014
- جانفي 2014
- ديسمبر 2013
- نوفمبر 2013
- أكتوبر 2013
- سبتمبر 2013
- أوت 2013
- جويلية 2013
- جوان 2013
- ماي 2013
- أفريل 2013
- مارس 2013
- فيفري 2013
- جانفي 2013
- ديسمبر 2012
- نوفمبر 2012
- أكتوبر 2012
- سبتمبر 2012
- أوت 2012
- جويلية 2012
- جوان 2012
- ماي 2012
- أفريل 2012
التصنيفات
منوعات
-
انضم مع 31٬828 مشترك