حضارة القمامة وثقافة النفايات… جبال الأرز لا… جبال القمامة نعم! (بتحب بلدك.. حب زبالته)

للشعوب والأمم حضارات وثقافات وعادات وتقاليد قد تتشابه أو تختلف، وقد تتميز أو تتمايز، ويحصل لتلك الشعوب والأمم أن تتزاوج وتتناسل، من أجل الارتقاء بثقافات أوسع وأعمق وأرقى، وكلها تصب في قوالب تجديدية تقدّمية تؤسس لمستقبل أفضل، كي يحيا الإنسان في أجواء تليق بإنسانيته ووجوده على هذه الأرض التي خلقها الله وسخرها له، لذلك تحاول كل أمة من الأمم التي تحترم إنسانية شعوبها، غنية كانت أم فقيرة أن تؤمن لشعوبها ومواطنيها أبسط وسائل العيش الكريم الذي يحفظ كرامتهم وإنسانيتهم.
ولكن يحصل أن تكون لبعض البلدان مظاهر ثقافية أو حضارية من النوع المذل والمهين وغير الإنساني، مما يجعل منها عبرة تعتبرها الشعوب، وعلامة سوداء يدونها التاريخ بلا شفقة أو رحمة، ووشم لا يمحوه مرور الأيام ولا انطواء السنين، وأقرب مثال على هذا النوع من المظاهر الثقافية القديمة الجديدة، هي ثقافة القمامة والنفايات، التي عمّت شوارع لبنان وأزقتها وحواريها ومداخل بيوتها ومحالها. ذلك المَعْلَم السياحي لا بد من أن يثير الدهشة والعجب في عصر التطور والانفتاح والتكنولوجيا والعولمة، وربما يكسب إن دخل مسابقة (عجائب الدنيا)، استحوذ على اهتمام الدول الغربية والعربية واستقطب كاميرات التصوير المتطورة والحديثة، وملأت صورها المنوّعة والملونة قنوات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن تلك الصور التي التقطتها العيون وخزّنتها الأذهان. ومع تكدس جبال القمامة واتساع رقعة النفايات، ارتفعت الأصوات الطبية والصحية، المُحذرة من خطر انتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة، ودعت المواطنين إلى ارتداء الأقنعة الواقية كي تقيهم الأمراض والروائح الكريهة.
أما السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو على كاهل من تقع مسؤولية جبال القمامة؟ على المواطن الراضخ؟ّ! أم على المسؤول الأناني الذي لا يفكر إلا بنفسه وراحته وتكديس أمواله؟ إن المسؤولية الحقيقية تقع على كاهل المواطن الذي يتوجه إلى صناديق الاقتراع، كي ينتخب من يمثله ويتكلم باسمه في كل مرة، وكأنه واقع تحت تأثير المنوم المغناطيسي… المسؤولية تقع على كاهل المواطن الذي حوّل زعيمه إلى إله يشاء ويقدّر… المسؤولية تقع على كاهل المواطن الذي قبل بالعتمة، وارتضى الظلام، وغرق في أكوام قمامته وقمامة غيره، وتنشق روائحها وزفر أريجها. تلك القمامة التي ملأت الوطن وسمته بسماتها، لو أنها استُخدمت في مجال توليد الطاقة الكهربائية كما يحصل في الدول المتقدمة والمتحضرة، لجلبت الكهرباء وأضاءت حياة المواطنين وحسنت معيشتهم.
أما إذا اعتبرنا أن فيضان القمامة والنفايات، الذي عمّ لبنان هو كارثة من الكوارث الطارئة التي تتعرض لها الدول من وقت لآخر دون حول أو قوة، فهذا يعني أن أضرار الكارثة تصيب الجميع، فلا تفرق بين المواطن والمسؤول، ولكن هنا في لبنان الوضع مختلف، فإن أضرار الكوارث لها ناسها وأهلها، فلم يُسجَل أن عُثر على – سلة نفايات واحدة – بالقرب من بيوت المسؤولين. أما المواطن الأكثر حظاً والذي كُتب له النجاة، هو ذلك الذي يقطن بالقرب من بيت مسوؤل.
وكي نكون منصفين في أحكامنا، لا بد أن ننصف أصحاب السلطة والقرار والمسؤولية، فهناك وجه شبه واضح لا يقبل الشك بينهم وبين المواطنين، وهذا الشبه يتجسد في معنى ومفهوم كلمة تكديس، ففي الوقت الذي تكدست فيه جبال القمامة والنفايات على امتداد وطن، تكدست أرصدة مسؤوليه في البنوك.
إن التمادي عند المسؤول سببه الأساسي هو الرضوخ عند المواطن، فطالما أنه فاقد للصوت والقرار، راض بقسمته ونصيبه، فلن يشعر المسؤول بالخطر وسيبقى متربعاً على عرشه العاجي، يأمر من عليائه فيُطاع… هذا النوع من المواطنين لا يليق به إلا هذا النوع من المسؤولين. كلها أيام قليلة ويألف الناس مشهد القمامة ويتعودون عليه.
جبار يا شعب لبنان العظيم!
د. منى الشرافي تيّم

About monaat

منى الشرافي تيم فلسطينية الأصل والجذور أردنية الجذع والفروع لبنانية الثمر والزهور ابنة الوطن العربي...فخورة بعروبتي عضو في اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين عضو في المنظمة العالمية لحوار الحضارات في العالم إصدارات: عدد 8 روايات: وجوه في مرايا متكسرة مرايا إبليس مشاعر مهاجرة وجدانيات: حروف من نور كالمنى اسمي نقد أدبي: أدب مي زيادة في مرايا النقد الجسد في مرايا الذاكرة أدب الأطفال: العربيزي والجدة وردة الإصدارات عن الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت المؤهلات:دبلوم في هندسة الديكور والتصميم الداخلي:الأردن دبلوم في إدارة الأعمال:إنجلترا ليسانس ودبلوم دراسات عليا في اللغة العربية وآدابها ماجستير في اللغة العربية وآدابها تخصص نقد أدبي واجتماعي, جامعة بيروت العربية بعنوان: "أدب مي زيادة من منظور النقد الأدبي والاجتماعي درجة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها تخصص نقد أدبي حديث (جامعة بيروت العربية) بعنوان: "الفن الروائي في ثلاثية أحلام مستغانمي دراسة تحليلية نقدية"
هذا المنشور نشر في عام. حفظ الرابط الثابت.

الرجاء ترك تعليق

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s