مقالة د. نسيم شلهوب في جريدة الأنوار اليوم .. عن كتابي: “الجسد في مرايا الذاكرة” بعنوان ثلاثية أحلام مستغانمي في غربال منى الشرافي تيم.

جريدة الأنوار 1
قراءة نقدية أكثر من رائعة! إليكم الرابط
http://www.alanwar.com/articles.php?categoryID=10

“ثُلاثيّةُ” أحلام مُستغانمي في غربالِ مُنى الشّرافي تَيّم

د. نسيم شلهوب
حَلُمَت أحلام مُستغانمي فكَتَبَتْ، قرأت د. مُنى الشّرافي تَيّم فحلّلتْ وأبدَعَتْ.
كَتبَتْ أحلام، لِماذا كَتبَتْ ولِمَن َكتبت؟
في البدايةِ تُجيبُ أحلام تلميحًا وتصريحًا، وفي أكثر من مكان:
– ليست الرّواياتُ سِوى رسائل وبطاقات، نكتبُها خارج المناسبات، لنُعلن نشرَتَنا النّفسيّة.
– وما خُلِقت الرّواياتُ إلاّ لحاجتِنا إلى مقبَرةٍ تنامُ فيها أحلامُنا الموؤودة .
– فكلَّما كَتَبنا عنهم فَرغنا منهم، وامتلأنا هواءً نظيفا.
– إنَّ الرّوايةَ بالنّسبةِ إلى الكاتبِ هي وسيلة للتنفيس والتّخلّصِ منَ الذّكريات العالِقة.
– الرّواية حياة أُخرى يعيشها الرّاوي في نَصِّ روايته.
– ماذا لو كانتِ الرّوايات مُسدّسات مَحشوّة بالكلمات القاتلة لا غير؟!
كما نَلقى جوابًا آخر في أطروحةِ مُنى بعنوان الجسد في مرايا الذاكرة- الفن الروائي في ثلاثية أحلام مستغانمي الّتي على المعاني تغوصُ، تنقبُها تُحلِّلُها، تستلُّ روحَ النّصِّ تُفلسِفُها تُضفي عليها من صفاءِ النّفس، ومن فَيضِ المفاهيمِ التي يصعبُ على القارئ العاديِّ استنباطها.
تصعبُ الكِتابة ُ ويستحيلُ الاختصارُ في أطروحةِ مُنى لغزارةِ مَضمونِها، وتدفُّقِ مُعطياتِها، ودقّةِ تحليلها، وثراءِ مُكوِّناتِها، وتنوُّعِ معلوماتِها، واتِّساعِ مَعرِفتِها،وصحَّةِ تعقّباتِها المُعمَّقة الّتي تُلامسُ الحقيقةَ بلغةٍ أدبيّةٍ سهلةٍ وأسلوبٍ سلِسٍ يتوخّى
الصدقَ .
عرَفناها كاتبَة ًروائيّة ً مُرهفة َ الحسِّ، دقيقة َ المُلاحظةِ، واسعَة َ الثّقافةِ، عميقة َ المعرفةِ، تَفي البحثَ حقَّهُ في رواياتٍ دبجتها بدقّةِ العارفِ وفنِّ المُحترفِ، والتِماعِ الموهِبةِ .
وعلى سبيلِ المِثالِ لا الحصرِ نُطالِعُها في رِوايتِها وجوهٌ في مرايا مُتكسّرة الواقعة في 560 صفحة وهي تروي بجماليّةٍ فائقةٍ حيثيّات وأحداث 56 شخصيّة أساسيّة، تستعرضُ تفاصيلَ حياتِها، تُحلِّلُ غرابة َ ميولِها ببراعةِ نحّاتٍ، تُلاحقُ تصرّفاتها وبراءةَ عيشِها بدقّةٍ، دونَ أن يعرفَ الخطأُ طريقًا لجَماليّةِ السّردِ، وروعةِ التّدبيجِ، في إيفاءِ الرّوايةِ حقَّ التّشويقِ وتحفيزِ القارئ للقفزِ فوق السّطورِلبلوغِ النّهايةِ الّتي لا يتوقّعُها.

إحتراف وشجاعة
وأمامَ ثُلاثيّة أحلام ذاكرة الجسد، فوضى الحواس، عابر سرير تعرضُ لنا منى شخصية َ النّاقدِ الجريء باحترافٍ وشجاعة. فها هي، بكاملِ موهبتِها، ناقدةٌ تمتشقُ قلَمَها، كمُحاربٍ آمنَ بقدسيةِ قضيّةٍ امتشقَ حُسامهُ، انبرى للنّضالِ عمّا يؤمنُ بهِ، تقلبُ صفحاتِ ثُلاثية أحلام برفقٍ وكأنّهاآسٍ يجسُّ عليلا . أولُ ما يُلفتُها أسلوبُ الكاتبة المُعتمدِ على علمِ اللّغةِ والتّفاعلات البلاغيّةِ، لا على أدبيّاتها. اللاّفتُ الآخر في النّص كَثرةُ التّناصِّ والإيداع إلى جانبِ الإبداع، وهذا ما يجعلُ مهمّة النّقد عسيرةً.
بصبرٍ وأناة تابعت مُنى البحثَ في مُجمَلِ الإيداعات والاقتباسات الّتي استنفدتها أحلام لإغناءِ وإيضاحِ نصوصِها، فنجَحَت بإلقاءِ الضّوءِ على ما خَفي بين السطور. ولم تنجُ أحلام من الاتّهام الّذي لَحقَ بها بأنّها تسلَّقَتْ أفكارَ الآخَرين وبَنَتْ عليها. هنا ترى مُنى أنّ الكاتبة تستوردُ موقفًا مُقتبَسًا من حَدَثٍ ما لتستنبطَ أفكارًا وتبنيَ عليها أحداثًا و حكايات. هكذا استخدمتْ أحلام تقنيّة التّناصِّ والإيداع وسيلة ً لاستحداثِ أسلوبٍ جديدٍ بعدَ تَكسيرِ قوالبِ الرّتابةِ. وتُشيرُ منى إلى سهَرِ أحلام على صَهرِ إيداعاتِها ومُكوِّناتِ نصوصِها في بوطقةٍ أدبيّةٍ فنّيّةٍ واحدة تذوبُ في سياقِ الوحدةِ النّصّيةِ السّلسَة، ولا تتوقفُ الكاتبة قبلَ أن تستشهِدَ بأسماءِ المشاهيرِ، وتستعينَ بالتّضميناتِ النّصّيةِ الموزّعة بينَ حدَثٍ وقضيّةٍ أو مقالةٍ وحتّى أغنيةٍ أو مَثل وذلكَ لإظهار سِعة الإطلاع وتمتين بنيان النّص.
تنتقلُ منى في بحثها الناقدِ إلى تشريحِ وتحليلِ الأبعادِ: الفلسفية، الإنسانيّة ، النّفسيّةِ، والإجتماعيةِ في نصوصِ ثُلاثية أحلام، وحرصًا منها على الأمانةِ في النّقد، وإيفاءِ النّصَّ حقّهُ، قد تذهبُ أحيانًا أبعدَ ممّا خطرَ للكاتبة ببال، على طريقةِ المعنى في قلب الشّاعرِ من شعور، فتتناولُ في دراستها ثلاثة ُ مَباحث: 1- فلسفة ُ الجسد بين الأنوثةِ والرّجولةِ. 2- فلسفة ُ الذّاكرة بين الحبِّ والخيانة. 3- فلسفة ُثُلاثيّة الوطن، الحياة والموت.
من المؤكّد أنَّ مُنى غاصتْ في نقدها إلى أبعاد فلسفيّة بعيدةِ المَرامي نَمَتها إلى فكرِ الكاتبة ومَراميها وهي في نأيٍ كَاملٍ عن مضمونِ الثُّلاثيّةِ برمّتها.
مُفكّرة مستغانمي الجانبية
وقد ألمَحَتْ مُنى دونَ تصريحٍ أنَّ فلسفة َ الأنوثةِ والرّجولةِ عند أحلام ضاعتْ في حمّى الجسَد، جرفتها شهوةُ الحرمان، كما أشعلها شغفُ الوصول، وخَلُصَتْ إلى القول: يبدو أنَّ لأحلام مُفكّرةً جانبية تُضمّنها أفكارًا جاهزة وإيداعات مُتحفِّزة تبحثُ لها عن مكانٍ ما في نصوصِها.
كما ذهبت الناقدة منى إلى القول: إنّ أحلام على الرغمِ من قناعتها بتعريةِ الكلماتِ لها كلّما كتبنا تعرَّينا لا تنفكُّ تلجأ إلى التّخفّي وراءَ هذه الكلمات المُعرِّية كلّما شاءتْ اقتحامَ مشهدٍ حميمٍ أو موقفٍ جريءٍ يكشفُ جانبًا منَ التّمرُّدِ على التّقاليدِ الّتي تعتقدُها بالية، لتَجعلَ، مَثلاً، من فعلِ الخيانةِ فعلَ تمرُّدٍ على مُجتمعٍ لبسَ النّفاقَ مِعطفَ برٍّ ومُداجاة، وذلكَ انتقامًا لحدثٍ خاصٍّ أو تقليدٍ مَوروثٍ . وقد تبعثُ عمدًا بظلالِ الشّكِّ انتِقامًا من حبيبٍ مُستهترٍأشعلَ حبُّهُ أتونَ المَللِ والرّتابةِ.
وقد تُصوِّرُ حالة ً مُقابلَ أُخرى وخِيانة ً في وجهِ خيانة فها هي البطلة، الرّاوية الوحيدة في ثُلاثيّتِها، تقبلُ سريعًا دعوةَ مَن لم يُصبحْ بعدُ حبيبًا وتُوافيهِ إلى بيتهِ بعدَ اكتِشافها خيانة َ زوجِها، ولا يرفُّ لها جَفنُ خجلٍ ولا يُراودُها لحظة ً الشّعورُ بالإثم أو الإحساسُ بالذّنب .
وتكشفُ الناقدة اللّثامَ عن وجهٍ آخرَ لراوية أحلام الّتي تتناسى اتِّهامها لنِساءٍ أُخرياتٍ شاركنَ زوجها بالخيانة وقد نعتتهنَّ بالسّاقطاتِ المُثيراتِ للغثيان.
وفي بلبلةٍ عاطفيّةٍ فكريّة، تُشيرُ إليها مُنى، عندما تتصدّى لفكر أحلام في اختلاقِها للخيانةِ أعذارًا أوّلُها: فعلُ الحبِّ الصّاعق، يليهِ أو يسبِقُهُ فعلُ الإنتقامِ الحارق.
وعن عدمِ شكِّ الزّوجِ بخِيانةِ خائنتِه تقولُ أحلام: ثمّة نوعانِ منَ الأغبياء: أولائكَ الذينَ لا يشكّونَ بشيءٍ، وأولائكَ الذينَ يشكّونَ في كلِّ شيء، فالدّيكُ المغرورُ يظنُّ أنَّ في بيتهِ دجاجة ً مُدجّنة ً لا ترى سِواه. وإذا كانت كلُّ النّساءِ عفيفاتٍ فمع مَن يزني هؤلاءِ الرّجال؟!!! .
وفي لفتةٍ فلسفيّةٍ توردُ أحلام على لِسانِ أحدِ أبطالِها فتقول: استفيدوا من اليوم الحاضرِ، لتكنْ حياتُكم مُذهلة … خارقة للعادةِ، أسطوا على الحياة … امتصّوا نخاعها كلَّ يوم ما دامَ ذلكَ مُمكنًا … فذات يوم لن تكونوا شيئًا سترحلون وكأنّكم لم تأتوا.
فلسفة الموت
وفي فلسفةِ الموت ترى النّاقدة من خِلال الكاتبة، ما يجتاحُ فكرَ الإنسان أمام بداهَةِ حدثِ الموتِ المحتوم الّذي لا يعلمُ أوان حدوثِه إلاّ الله، وذلكَ بعيدًا عن النّظرةِ العلميّةِ الّتي ترى فيهِ حفظًا لتوازنِ الطّبيعةِ ، إذ تخرجُ الحياةُ من رَحِم الموتِ ويأتي الموتُ إثرَ حياة .
وفي العودةِ إلى النظرةِ الفلسفية، فالموتُ، كما تراءى لنَفَرٍ من الفلاسفة هو تحريرُ النّفسِ منَ الجسَدِ الّذي هو مَدفنُها ومانعُها من بلوغِ المعرفةِ الحقّة للوصولِ إلى الحقيقة الكاملة.
والموتُ وفق هؤلاء هو نوعٌ آخر من الوجودِ للرّوح تكتشفُ فيهِ ما لم تستطعْ اكتشافهُ في الحياةِ الحاضرةِ الّتي يرى فيها السّيدُ المسيحُ نوعًا من أنواع الموت، إذ يقولُ في ما ندعوهُ موتًا : ننتقلُ منَ الموتِ إلى الحياة.
وترى أحلام في الموتِ حافزًا إبداعيًّا للكتابةِ ولكلِّ عملٍ خلاٍّقٍ، كما تراهُ في بعضِ وجوههِ للحرّيّةِ بابًا ومَنفذا.
وفي تقويمٍ نقديٍّ جريء تخلصُ منى إلى القول: تبتعدُ ثُلاثيّة أحلام عن كونِها رواياتٍ جامدة نقرأها فوق صفحاتٍ مُنمّقةٍ، قد نُحبّها أو نكرهها أو نتعامل معها بلا مُبالاةٍ، بل هي في آن رواية ً وفلسفة ً ودراسة ً تحليليّة ً تخدم ُ مواقفَ حياتية واقعية تُطاولُ العيشَ اليوميَّ وتُلامسُ الوجدانَ الإنسانيَّ تارةً كمرورِ النّسيمِ في الحقلِ يُداعبُ أفنانَ الزّهرِ ورؤوسَ العشبِ، وطورًا كريحٍ عاصفةٍ تقتلِعُ أعتى سنديان النّفسِ ، تعبثُ بأعماق الكيان الإنسانيِّ .
ومن الناحيةِ البيانيّةِ ترى ال د. منى في كتابةِ أحلام نصًّا مُتوازنًا، وكأنّ أحلام تُمسكُ بالعصا من وَسَطها وفقًا لقول الفيلسوف إريك فروم : إنّ حدًّا أدنى من النّرجسيّةِ يصونُ الحياة وحدًّا أقصى منها يُدمِّرها.
ورأت الناقدة أنّ الحالة النّفسيّة للكاتبة قد أنتجَتْ وواكبَتْ سائرَ مرافق نصوصِها، وهي بذلكَ أجادَتْ رسمَ خريطةِ نصِّها وبرعتْ في تضمينِهِ الكثيرَ من المعاني الفلسفيّة دونَ أن تهجُرَ سلاسَة ًمعهودةً رافقتها على مَتنِ ثُلاثيّتِها.
في الختام بعد أن تصَدّت منى، في أطروحةٍ لنَيل الدكتوراه، لثُلاثيّةِ أحلام ووضعتها بقوةٍ ودقّة وسطَ زحمةِ مَراياها، سَعَتْ بنجاحٍ في إلقاءِ الضّوءِ على خفايا ما أرادتهُ أحلام خَفيًّا بين سطورِ رواياتِها أو تحتها، وأظهرتهُ للعلَنِ بحلّةٍ قشيبةٍ لا يعروها عيبٌ.

About monaat

منى الشرافي تيم فلسطينية الأصل والجذور أردنية الجذع والفروع لبنانية الثمر والزهور ابنة الوطن العربي...فخورة بعروبتي عضو في اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين عضو في المنظمة العالمية لحوار الحضارات في العالم إصدارات: عدد 8 روايات: وجوه في مرايا متكسرة مرايا إبليس مشاعر مهاجرة وجدانيات: حروف من نور كالمنى اسمي نقد أدبي: أدب مي زيادة في مرايا النقد الجسد في مرايا الذاكرة أدب الأطفال: العربيزي والجدة وردة الإصدارات عن الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت المؤهلات:دبلوم في هندسة الديكور والتصميم الداخلي:الأردن دبلوم في إدارة الأعمال:إنجلترا ليسانس ودبلوم دراسات عليا في اللغة العربية وآدابها ماجستير في اللغة العربية وآدابها تخصص نقد أدبي واجتماعي, جامعة بيروت العربية بعنوان: "أدب مي زيادة من منظور النقد الأدبي والاجتماعي درجة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها تخصص نقد أدبي حديث (جامعة بيروت العربية) بعنوان: "الفن الروائي في ثلاثية أحلام مستغانمي دراسة تحليلية نقدية"
هذا المنشور نشر في عام. حفظ الرابط الثابت.

1 Responses to مقالة د. نسيم شلهوب في جريدة الأنوار اليوم .. عن كتابي: “الجسد في مرايا الذاكرة” بعنوان ثلاثية أحلام مستغانمي في غربال منى الشرافي تيم.

  1. dr habes asoufi tallahassee fl كتب:

    hello dear muna howr u i read your artical its fantastice i wish u can send me all of ur powtery thanku

الرجاء ترك تعليق