الطلاق وزر ترتكبه المرأة العربيّة؟!

هل الطلاق وزر ترتكبه المرأة؟ فيترتب عليها أن تدفع ثمن وزرها للناس والمجتمع من أعصابها وكيانها وكرامتها وسمعتها؟! هل هو ذنب تقترفه، يجب أن تدفن نفسها حيّة، كي ترضى عنها الناس؟ لِمَ تصبح المرأة المطلقة في مجتمعاتنا العربية هدفاً سهل التصويب عليه من الجنسين؟ لماذا لا تُمنح المرأة المطلقة فرصة البدء من جديد؟ فهنالك عدد كبير من المطلقات، خرجن من حياة الذل والقهر والصبر والصمت مع الرجل، ليقعن في أتون أحكام المجتمع القهرية والظالمة. والمرأة هنا بين خيارين مرّين… إما مطرقة الرجل أو سندان المجتمع؟
إن الزواج هو سنة الحياة، وتأسيس الأسرة حياة أخرى مصغرة عن الحياة الكبيرة التي سقفها السماء. والحياة الزوجية تستدعي الكثير من المشاعر المتناقضة، كالفرح والقلق والسعادة والترقب، فضلاً عن الخوف الدائم من المجهول، بالإضافة إلى المسؤوليات الكثيرة التي تقع على عاتق الزوجين، من أجل أن تقف المؤسسة الزوجية على قدميها وتستمر على الرغم من الضغوطات التي تفرضها الحياة كل يوم بشكل جديد.
إن بناء المؤسسة الزوجية يجب أن يقوم على أساسات صلبة كي تتمكن من الصمود في وجه الهزات الطبيعية والمفتعلة، فضلاً عن المستجدات الطارئة، وغير ذلك فهي لا بد آيلة للسقوط في مواجهة التحديات الحياتية التي لا يخلو أيّ بيت منها. وانهيار تلك المؤسسة من شأنه أن يضع العقبات والعراقيل لكل من يعيش تحت سقفها، لأنها كيان واحد ونسيج واحد لا يمكن فصل مكوناته، وإن حدث الطلاق.. فلا بد من شظايا متطايرة تطال الكل بلا استثناء. وغالباً ما يتم إلقاء اللوم على المرأة، التي قصرت في واجباتها تجاه زوجها وأولادها وبيتها.
للطلاق أشكال كثيرة، منها ما يأتي بالاتفاق، ومنها ما يأتي بالإكراه، ومنها ما يكون الحل الأمثل للجميع، من أجل بدء حياة جديدة! فالقضية هنا ليست شكل الطلاق أو كيفية وقوعه. القضية هي الطريقة التي يتعاطى فيها المجتمع عند حصول الطلاق حين يُعطي نفسه الحق في أن يكون القاضي، والشاهد الأعمى، والجلاد – فيصدر حكمه على المرأة بالتقصير- وحصول الطلاق هو النتيجة الطبيعية لعدم قيامها بواجباتها على المستويين الشخصي والأُسري. ومما يثير الحنق هو أن هذا الحكم الصارم الجازم لا يقوم على أي أساس أو وفق أية معطيات، فلا أحد يستطيع أن يعلم حقيقة وأبعاد ما يحدث داخل جدران تلك المؤسسة إلا الله سبحانه وتعالى والذين يعيشون تحت سقفها.. حتى أن الأولاد في كثير من الأحيان ربما يجهلون سبب الخلافات التي تنشأ بين الأم والأب، لأنها قد تكون خاصة وشخصية.
إن المرأة العربية المطّلقة تقف أمام مواجهات عديدة، فعليها أن تحسب حساب النَفَس الذي تتنفسه، لأنه محسوب عليها، فهي المرصودة من محيطها، بدءاً من أسرتها مروراً بأصدقائها، وصولاً إلى مجتمعها. أما الرجل العربي المُطلق فهو السبع المظلوم، وضحية زوجته المقصرة في حقه.. حتى لو كان سبب طلاقه منها من أجل الزواج بأخرى وقع في حبها، وتركها بعد عِشرة وأولاد وتاريخ.
والسبب الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو القصص الكثيرة التي سمعتها من عدد من النساء المطلقات، والغريب في الأمر أن الطلاق لم يكن بعد أشهر قليلة أو سنوات قليلة من الزواج، الذي قد يكون وارداً فيها، بل كانت طلاقات بين أزواج عاشوا مع بعض قرابة الربع قرن، والأسباب لذلك كثيرة، منهم من باغت زوجته بقرار الطلاق، حين رغِب أن يغير على ضرسه بزوجة صغيرة مثيرة، طمعت بماله الذي أعانته على جنيه مطلقته، حين حملت على عاتقها مسؤوليات البيت والأولاد، بالإضافة إلى تحمل انشغاله وغيابه وسفره، فتركها تصارع الحياة وكأنها يوماً لم تكن. ومنهم من صبروا حتى كَبُر الأولاد وانفصلوا بعد ذلك رسميا، ومنهم من كانت ضغوطات الحياة أكبر منهم، فكان الانفصال هو الحل الأمثل لهم. وكل هذه الأسباب التي ذكرتها وغيرها واردة الحدوث، ولكن المرفوض إنسانياً وهو المعاناة التي تعيشها المرأة المطلقة، على اختلاف الأسباب التي أدت للطلاق، والنظرة غير الإنسانية التي تتابعها وتلاحقها، وذلك حين تصبح مطمع للرجال الذين يريدون علاقات خارجة، أو الكبار في السن الذين يرغبون في استعادة شبابهم. والمصيبة الأكبر هي الشكوك التي تحيط بها، فالزوجات تخشى أن تستولي المطلقة على أزواجهن، خصوصاً إن كانت تتمتع بنسبة من الجمال والذكاء. وإن تبسمت أو تكلمت مع أي رجل، تدور الشكوك عن علاقة قد تكون نشأت بينهما، أو احتمالية نشوئها. أما إذا كانت امرأة عاملة فيطمع فيها الموظف قبل المدير، وقد تتم مساومتها بين عملها وبين تقديم بعض التنازلات الشخصية، وإن حصل واشتكت أو تكلمت يقولون لولا أنها أوحت لمن هم حولها بأنها سهلة ومتاحة لما تجرّأ أحد على الاقتراب منها.
أما الرجل العربي المُطلق فالكل يتعاطف معه، لأنه الضحية حتى لو كان الجلاد… ولو خرج كل يوم مع امرأة جديدة لا يتكلمون عنه أو يوجهون له أي انتقاد، فهو رجل حُر ومن حقه كل شيء.
إن فكرة هذا المقال لا تناقش من الظالم أو من المظلوم؟!… فالطلاق حلله الله… الفكرة أن ندع الخلق للخالق، ولنتوقف عن جلد المرأة العربية المطلقة، واعتبارها عورة عليها أن تدفن نفسها في الحياة، كي تقي نفسها من أناس نفوسهم عورات!
د. منى الشرافي تيم

About monaat

منى الشرافي تيم فلسطينية الأصل والجذور أردنية الجذع والفروع لبنانية الثمر والزهور ابنة الوطن العربي...فخورة بعروبتي عضو في اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين عضو في المنظمة العالمية لحوار الحضارات في العالم إصدارات: عدد 8 روايات: وجوه في مرايا متكسرة مرايا إبليس مشاعر مهاجرة وجدانيات: حروف من نور كالمنى اسمي نقد أدبي: أدب مي زيادة في مرايا النقد الجسد في مرايا الذاكرة أدب الأطفال: العربيزي والجدة وردة الإصدارات عن الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت المؤهلات:دبلوم في هندسة الديكور والتصميم الداخلي:الأردن دبلوم في إدارة الأعمال:إنجلترا ليسانس ودبلوم دراسات عليا في اللغة العربية وآدابها ماجستير في اللغة العربية وآدابها تخصص نقد أدبي واجتماعي, جامعة بيروت العربية بعنوان: "أدب مي زيادة من منظور النقد الأدبي والاجتماعي درجة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها تخصص نقد أدبي حديث (جامعة بيروت العربية) بعنوان: "الفن الروائي في ثلاثية أحلام مستغانمي دراسة تحليلية نقدية"
هذا المنشور نشر في عام. حفظ الرابط الثابت.

3 Responses to الطلاق وزر ترتكبه المرأة العربيّة؟!

  1. waheid alyounis كتب:

    ” فلا أحد يستطيع أن يعلم حقيقة وأبعاد ما يحدث داخل جدران تلك المؤسسة إلا الله سبحانه وتعالى والذين يعيشون تحت سقفها.
    هذه حقيقة يتجاهلها الكثيرون عتوا او جهلا او جريا وراء الموروث الاجتماعي الخالي من منطق العدالة والتريث والتبين والاصلاح.
    يخطيء الرجل ، وتخطيء المرأة ..ولكن خطأ المجتمع هو الاكبر ..
    نحتاج الى ضمائر حية ، وعدم الترشح الفضولي للقضاء بين الزوجين الا ممن يوصفون بالعلم والوعي والحكمة وخشية الله..
    حتى لا تقع مآسي الطلاق ..واذا وقعت لا محالة ، فلتكن المرأة هي الجانب الاولى بالمساندة والدعم والمراعاة لشأنها ..
    من غير طمع ولا كيد ولا انحراف ..فإن الله يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور..

    • monaat كتب:

      مساء الخير
      كلامك صحيح عزيزتي
      ولكن ثقافة الجهل أصبحت سيدة الموقف في كثير من القضايا

  2. aladyahlam كتب:

    موضوع راقي وهادف جداً لانه من وحي واقعنا المرير مع الاسف …
    انا معك بكل ماكتبتي لان هذا مايحصل في مجتمعاتنا المريضه فهي مريضة لبعدها عن الله ودين الله فالو كانو يحكمون بشرع الله بحق ويخشون الله لعلموا ان الطلاق هو حق شرعي حلله الله وما احله الله ليس لبشر الحق ان يحرمه او ينبذه فهو بذلك اعترض سرا او جهرا على حكم الله …
    ما اريد ان اقوله بالمختصر لا اهمية لكلام المجتمع دامه يتنافى مع كلام وشرع الله … افعل مايرضي الله وليس مايرضى البشر فهم مجرد عباد لله فالاهم والاولى رضا المعبود وليس العبد . والله من يحاسب وليس من حق بشر ان يحاسب بشر مثله فالله هو الحكم العدل . سلمت يداكِ على ماطرحتيه لنا من موضوع هادف

الرجاء ترك تعليق

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s