المنجمون يَكذبون.. نُصدّقهم.. فيسترسلون!!
تحولات كثيرة غريبة ومريبة تُعرِّش على الأجواء العربية اليوم، فقد أصبحت أرضياتها كالرمال المتحركة الخبيثة تموج بأبنائها، تغوّر الحق تارة، وتفوّر الباطل طورا. أما سياسات الإخضاع والضياع المبتكرة – فبراءة اختراعها تقاسمتها الحكومات العربية مع الإعلام العربي بكل أشكاله – فالحكومات فرضت سياسة الجوع المعوي، وتولّى الإعلام مهمة التجويع الفكري والثقافي، فقد حرصا معاً على حقن العقول العربية بأمصال النسيان والتغييب والتعمية، والنتيجة لذلك كله، بأن ظهر لدينا ما يمكن أن يُسمى بالاعتلال الثقافي والمعرفي، الذي هو السّمة الرائجة في الوطن العربي اليوم، والقاسم المشترك بين أبنائه.
كثيرة هي الآثار السلبية التي واكبت شيوع هذا النوع من الاعتلال الثقافي والمعرفي في المجتمعات العربية، وأخطرها هو الإحباط الذي أدّى بالأفراد والجماعات، إلى اللجوء إلى نوع من الفرار الإرادي، والهروب من الواقع إلى ذاك المجهول البعيد، والاختباء خلف أقنعة مشوّهة، وكلهم أمل أن يأتي لهم ذلك الغيب بالفرج أو بفسحة من الرجاء، ولذلك فقد نجح الإعلام التجاري في بث سمومه القاتلة في جسد الأمة المريض، فلم يكتف بنشر ثقافات الابتذال والتفاهة والفضائح والشدّ على عصب التعصب المذهبي والاقتتال الطائفي، وإعلاء شأن من لا شأن لهم، بل تجاوزه إلى نشر وترويج ثقافة التنجيم والتنقيب عن الغيب والركض وراء الوهم، وهدفه العبث بمشاعر الناس وأحاسيسهم ترهيباً وترغيباً، من خلال عمليات غسلٍ للأدمغة وتنويمها مغناطيسياً، فتصبح بين أيديهم كالدمى المتحركة يتلاعبون بها كما يشاءُون، فتزداد أعداد المتابعين والمشاهدين لقنواتهم، وتكبر وتتضخم أرباحهم، ويُكتب لبرامجهم النجاح والتألق والمنافسة.
كما لاحظنا في الآونة الأخيرة ازدياد عدد البرامج التي تدخل إلى بيوتنا، وتتربع على عروش شاشاتنا، شخوص كاركاتيرية، كانوا في حياتهم أناساً عاديين، ولكنهم من النوع المغامر المغوار، فتحالفوا مع الجن والإنس وما تحت الأرض وما فوقها، وقد حالفهم الحظ الإعلامي، حين صدّرهم على شاشات التلفزة، لممارسة عمليات التنجيم والدجل والتدليس والاستهانة بعقول البشر، من خلال قراءة الغيب والاطلاع على المستقبل، ليس فقط على المستوى المحلي، بل بكل ثقة وجرأة على مستوى العالم. فقد تمكّن مجموعة من هؤلاء المنجمين الاصطياد بالماء العكر، حين قرأوا الحياة السياسية والاجتماعية والنفسية العربية بحنكة وبراعة، وربما استعانوا ببعض الخبرات الفذة القادرة على تحليل الأحداث واستنتاج ما يمكن أن تؤول إليه الأمور. أو ربما كانوا أدوات مأجورة قد أُوكلت إليهم مهمة إيصال رسائل محددة من أجل مصالح أو سياسات معينة. ومهما كانت الأهداف، فقد نجحوا في تحقيقها حين تمكنوا من التوغل في النفوس الضعيفة التي نخرتها الأمراض النفسية، وانطلقوا في شعابها ولعبوا على أوتارها المتهالكة المحطمة، فدندن الناس أنغامهم، ورددوا أكاذيبهم وصدقوها، وباتوا ينتظرون إطلالاتهم على شاشات التلفزة بفارغ الصبر. واستغلت القنوات الإعلامية هذا الجوع الغيبي عند الناس، فابتدعوا فكرة عرض ما جاء به المنجمون من تنبؤات وما تطابق معها من أحداث على أرض الواقع، كما أكثروا من عرض الدعايات والإعلانات التجارية خلال بث برامج التنبؤات، وبذلك نجد أن الكل مستفيد والتجارة رائجة ومربحة، أما الخاسر الأكبر والوحيد فهو المتلقي العربي، فعمى العيون له بصيرة… أما عمى القلوب فظلام لا فجر له!
وهنا تجدر بنا الإشارة إلى أن اللوم الحقيقي لا يقع على عاتق المُنجمين، الذين كذبوا فاغتنوا واشتهروا، أو قنوات التلفزة التي تتبارى وخصوصاً عند اقتراب نهاية العام لاستضافتهم ومحاورتهم في سهرات رأس السنة، التي يحتلون الجزء الأكبر منها، بل اللوم الحقيقي يقع على عاتق المتلقي العربي، الذي تخلّى عن عقله طوعاً، وارتضى باللامنطق حين قَبِلَ أن يكون أداة تجارية رابحة، ونفس ضعيفة تبحث عن هويتها في ظلال الغيب العاري.
أين هي الشعوب العربية من كل ما يجري حولها؟ أين هي من سياسات التجهيل التي تُفرض عليها، على الرغم من الانفتاح الكبير التي أمنته لها العولمة وكل ما قدمته التكنولوجيا، بالإضافة إلى قنوات التواصل الحديثة التي وضعت العالم كله في كفة اليد؟ أين هي من التغيير والارتقاء بالثقافة والتسامي بالفكر؟ للأسف فقد استسلمت الشعوب العربية لسياسات التخلي، وآثرت استهلاك السفاهات والخزعبلات التي تُقدم إليها، دون أي تدخل أو اعتراض، وساعدت على شهرة أناس لم تتعدًّ مؤهلاتهم حدود الدجل والشعوذة والكذب.
منى الشرافي تيم
إننا بالقرن الواحد والعشرون ومازال هناك بعض الناس يعيشون بزمن العصور الوسطى زمن راسبوتين وما زالوا يطلبون خدمات هذه الفئة بل يزداد الطلب عليهم يوميا” فها هي الطوابير من النساء والرجال أمام أبوابهم ومكاتبهم …..
للحصول على بركاتهم أو لطلب وصفه علاج مكوناتها الزنجبيل والزعفران والحبة السوداء والعسل المغشوش أحيانا” وذلك حسب نوعية الزبون وقدرته على الدفع .. فمع كل هذا التطور العلمي الضخم والاكتشافات ألعلميه وانتشار المستشفيات وسهولة التشخيص للمرض … إلا انه مازال هناك من يطلب خدمات راسبوتين العصر …..
فلولا تعدد الأذواق لبارت السلع …إنهم استخدموا التكنولوجيا لخداع بعض الناس فها هي التلفزيونات تسوق لهم بضاعتهم الفاسدة …
إننا بالقرن الواحد والعشرون ومازال هناك بعض الناس يعيشون بزمن العصور الوسطى زمن راسبوتين وما زالوا يطلبون خدمات هذه الفئة بل يزداد الطلب عليهم يوميا” فها هي الطوابير من النساء والرجال أمام أبوابهم ومكاتبهم …..
للحصول على بركاتهم أو لطلب وصفه علاج مكوناتها الزنجبيل والزعفران والحبة السوداء والعسل المغشوش أحيانا” وذلك حسب نوعية الزبون وقدرته على الدفع .. فمع كل هذا التطور العلمي الضخم والاكتشافات ألعلميه وانتشار المستشفيات وسهولة التشخيص للمرض … إلا انه مازال هناك من يطلب خدمات راسبوتين العصر …..
فلولا تعدد الأذواق لبارت السلع …إنهم استخدموا التكنولوجيا لخداع بعض الناس فها هي التلفزيونات تسوق لهم بضاعتهم الفاسدة …