أهناك من سامع… أم هنا من مجيب؟!
ما هو العمر، وما هي الولادة؟ ما هو الموت، وما هي الحياة؟ ما هو القدر، وما هي السعادة؟ ما هو النجاح، ومن أين يبدأ الفشل؟ ما هي الخطيئة، وأين مكانها في الضمير؟ ما هي الحقيقة، وأين نبحث عنها؟ والأهم من كل ذلك، والمواجهة الحقيقية هي: ماذا نريد…؟ أهو وصول في ذهن النائم، أم انطلاق في ثوب الهبوط؟
أسئلة كثيرة تسكننا وعبثا نبحث لها عن أجوبة، تتحدانا السنون، وتقطف منا بإصرار براعم ربيعنا قبل أن ترى التفتح، ودون شعور منا نمكن يدها، وندعها تعبث في دواخلنا، لتشعل شيب العمر في شراييننا وتتمدد في قنواتنا، نظن في ترهات أفكارنا أننا نقاوم، نظن في أكثر لحظاتنا استسلاماً وضعفاً أننا أقوياء. نظن.. ونظن… وما أكثر ما نظن!!
ربما تكون الحقيقة الوحيدة في حياتنا هي الموت، وهي حقيقة نعجز عن مداراتها أو مواربتها أو التحايل عليها، كما اعتدنا أن نفعل في كل أمور حياتنا، فتصدمنا! ولكن سرعان ما نتقبلها، وسرعان ما ننسى، فقد وُلد الإنسان من رحم نسيان مغلفٍ بحفنة ذكريات متناثرة هنا أو هناك. نحيا الذكرى حين نستحضر في وقت الهروب خيالاتها. وبإرادتنا المهزومة الخائفة، ندَعُ لحظات من سعادة حقيقية قد تأتينا على غفلة منا وعلى غير موعد، فنراقبها باستسلام تتسلق فروع التلاشي، وتتبخر من بين أيدينا بينما نحن نُقلِّبُها، كي نتأكد إن كانت حقيقة أو وهم؟! ثم سرعان ما نندم على ما فاتنا، ونعود لنتمنى حدوثه من جديد، على وعد منا أننا سوف نتصرف بأسلوب جديد، ولكن وعودنا لأنفسنا، ما هي إلا وعود قابلة فقط للتأجيل، وما أبعدها عن التنفيذ.
أما الألم فقد علّمنا كيف يعلّم فينا، كالوشم بحرفية محترف! ولكنه ترك لنا الباب موارباً حين منحنا خيار استبدال لامه بميمه، عندها فقط سوف يتحول ويسمو بمعنى الأمل، وربما يتسرب رذاذه الندي إلى أجواء حُبلى بضوضاءِ نفوس اقتطفت نطفتها من منيِّ القهر، فتتمكن من اجهاضها، محذرة من يوم يكون مخاضه عسيرا، فتلد في زمانه ومكانه زخات غاضبة، قد تروي من نوعها، وما ينضحُ عنها، قلوباً جففها العطش، فتنبت شوكاً، وتشقُّ وعراً، لتبقى اللام متصدرة على عرشها وعلى يسارها تقطن الميم.
والحياة مصطلح لا يمكن تعريفه، والولادة في فضائها حدث قد يفرحنا، وقد يحزننا!! على حسب جنس المولود الذي ننتظره. فتنمو المواليد في بيئات وظروف وأشكال وألوان مختلفة، ولكن ما قد يجمعها هو أنها مسيّرة لا مخيرة، فهي تتشرب ما نسقيها إياه، فلو أن المرايا تُظهر ما في دواخلنا إن وقفنا نحن وأولادنا ننظر إلى أنفسنا من خلالها، لوجدنا توأمة في الشكل والخَلق والخُلق والملمح، وحين يخطئ أولادنا، نجدنا تتعالى صرخاتنا، وتتزايد اعتراضاتنا، وتنمو نقماتنا، فنُصدر عليهم أحكام الويل والثبور، ونحملهم أوزارنا وضياع أعمارنا، ونطالبهم بدفع كل الأثمان. هنا علينا أن نتوقف!! لنعيد حساباتنا، ونتصالح مع ذواتنا، وننثر الطِيب، ونبذر الطَيّب، كي تقرّ أعيننا حين تكبر تلك المواليد البريئة، التي فرحنا واحتفينا بلحظات مولدها، ونسلمها ألويتنا وشعاراتنا.
ولأن الإجابة عن كل الأسئلة التي طرحتها في مطلع مقالتي غاية صعبة، سأحاول وضع رؤية للخطيئة، لأن معنى الخطيئة لا يغطي فقط فعل الزنا والقتل والسرقة… فهذه الخطايا مكانها في السجون ووراء القضبان بأحكام القضاة، ولكنها بمعناها الأخطر تغطي الأخلاق، تلك الأخلاق التي لا يمكن أن تتم محاسبتها فعلياً إلا من خلال الضمير، فإما أن يحيا وتحيا فيه، وإما أن يموت وتُدفن فيه. أما أكثر الخطايا أذىً، فهي التي تنمو داخل النفس فتتآكلها وتحيى على فتات الحسد والكره، وتنمو مع مشاعر الشر والأذى للآخرين، وتصبح كالنار التي تأكل نفسها، وكل ذلك من خلال تصويب سهامهم على الناس، في محاولة لتقليل شأن من لهم شأن، أو استحقارهم، والاستهزاء بنجاحاتهم، والاستهانة بإنجازاتهم، فهم بذلك وكأنهم يحاولون في يوم صيفي بديع أن يغطوا وجه الشمس!!
وأخيراً… وباسم الحب، الذي إن نما في دواخلنا، وباسم الأمل الذي إن سما في كينوناتنا، سنترفّع لنرتفع، ونحب الخير لغيرنا، كي يحبه الله لنا… وبعد كل هذا أعود وأقول: “أهناك من سامع… أم هنا من مجيب؟!”
منى الشرافي تيم
فلسفه جميله جدا وذات معان لو ان اي انسان يجيب على ماتم طرحه لهانت كثير من مشاغل الدنيا واصبحنا من المدينه الفاضله
دكتوره منى أكثر من رائعه تسلمى ويسلم قلمك المبدع –ممدوح
جميل جدا الاثرا الرائع لما فيه من معان رائعة تعالج مشاكل عديدة بطريقة دراماتيكية وبسيطة
أحسنتي وأبدعتي
أختي منى / حرف واقعي ورومانسي …… سعدت لقراءة المقال …….. أتمنى لك كل الخير
شكرا جزيلا عمر
أسعدني مرورك