فتاتي…أنتِ كما أنتِ نجمة حقيقية!!
ها نحن نعيش اليوم في عصر تُتوِّجه الأضواء، ويتحكم بمفاصله الإعلام، وتتقاذفه وسائل التواصل الاجتماعي المبصرة منها والعمياء. هو عصر هبّت عليه رياح تتقلب في فضائنا الرحب مع دوران الفصول، وهديرها يهتف بالتحرر والانعتاق من كل شيء، إلا من الانقياد للبهرجة الفارغة، والتبعية المعنوية للمظاهر الخادعة… لأنه تحرر وهمي تجمد عند حدود الشكل والمظهر الخارجي، وكلما ازدادت وعلت الأصوات التي تنادي به، ابتعدت أكثر عن المنطق والجوهر ، هو نوع من التحرر، له مذاق الهروب ونكهة الضياع، ملاذه التهويمات الرائجة البرّاقة، التي تشبه في تشكيلها ونحتها نجوم السماء في الليالي الصافية، ولكنها في واقعها فقاعات رغوية خاوية ما تلبث أن تزول وتتلاشى، ثم تُطوى في غياهب النسيان وكأنها يوما لم تكن.
ولأنه عصر ينبئ بالكثير من الأخطار الاجتماعية الهدّامة المتربصة بنا، بالإضافة إلى الآفات المفاهيمية المروّج لها إعلامياً وهدفها تجاري بحت، أحببت أن أطلق صرخة، علّني أتسلل من خلال ذبذباتها وتردداتها إلى كيان فتياتنا… نساء المستقبل، المثقفات المتعلمات المفكرات الراقيات الأنيقات، اللواتي على كواهلهن تُبنى المجتمعات، وباجتهادهن تتقدم الأمم، وبمثابرتهن تزدهر الحضارات. ولكن إذا ما انحرفن عن مسارهن، فعلى كواهلهن أيضا تقع مسؤولية انهيار المجتمعات وتقهقرها، وسيحمل لهن التاريخ وزرهن على مر العصور بلا رحمة. ذلك الوزر الذي سترثه النساء فيما بعد.
لذلك حين يقوم الإعلام التجاري، بإطلاق تلك الفلاشات التي تبهر أعين فتياتنا، فتختلط في أذهانهن الصور وتتوه الرؤى، لتصبح الدراسة والتحصيل العلمي والأكاديمي بالنسبة إليهن، طريق شاق، السير فيه بحاجة إلى بذل الكثير من الجهد والكد والسهر والمعاناة، بينما تبدو الشهرة والأضواء لديهن كحلم سريع وليس ببعيد، وهدف سهل المنال، فهو كما الكرة التي يدحرجها الحظ، لتصل إلى مرمى من يملك المال والثروة، ولديه مطامع في زيادتها، من خلال المتاجرة ببضاعة الجمال والجسد والصبا.
نحن كل يوم نتعرف إلى فنانة جديدة، حوّلتها عمليات التجميل إلى دمية من “السيليكون”، نراها تتعرى وترقص وتغني، ثم تصبح في ليلة وضحاها غنية ومشهورة، وتتسابق على استضافتها أشهر الفضائيات، التي تُدخلها بلا استئذان إلى كل البيوت، فتقوم بتقليدها والسير على خطاها صاحبات الأحلام الكبيرة، اللواتي يجدن فيها مثلهن الأعلى، الذي يقتدين به. ولكن حين يُروّج للابتذال، وتختفي عن الشاشات والمنابر صورة المرأة، التي عملت واجتهدت ووصلت إلى أعلى درجات العلم، وتبوأت أهم المراكز في كل المجالات العلمية والأدبية والاجتماعية والسياسية، ونالت الجوائز وشهادات التقدير على تقارير وأبحاث ودراسات وتجارب، سيحفظها لها التاريخ كرموز ومنارات قد تضيء حقبة معينة من الزمن، يجب علينا هنا أن نرفع درجات الوعي والحيطة والحذر، وندق نواقيس الخطر، ونزيل اللثام أمام فتياتنا عن وجه الحقيقة، التي تؤكد أن الاعتماد على الجمال الخارجي، ما هو إلا قشرة ذهب لامعة وهشه، ستزول مع الأيام وتقدم العمر، وأن كل اللواتي لمعن فجأة في عالم الشهرة السريعة، سينطفئن أيضا بلمح البصر، وسيبذرن ثرواتهن التي كسبنها سريعا، في سبيل استعادة شبابهن وبريقهن، ولكن هيهات أن يذكرهن أو يتذكرهنّ أحد، وهذا يعود إلى سبب بسيط، أنهن لم يتركن بصمة تستحق الذكر أو التذكر، فما أكثرها تلك الفلاشات التي تبرق في العين فجأة، ثم ما تلبث أن تنطفئ. لأن التأثير الحقيقي الذي يبقى ويدوم يأتي مع بذل الجهد، والعمل والسعي إلى إنجاز التحصيل الملائم، الذي يبني الشخصية ويرفع من شأنها وقيمتها ويؤسس لوجودها كقيمة مستقلة، بالإضافة إلى فرض احترامها على الجميع في أي مجال من المجالات، وعلى رأسها الفنون.
وكلامي هذا لا يعني أبدا إغفال الاهتمام بالشكل الخارجي، لا بل أصرّ وأشدد أن الاهتمام بالمظهر الخارجي والإطلالة المميزة ضرورة لا بد منها، ولكن مع المحافظة على خصوصية الشخصية التي تعبر عن نفسها وما يليق بها، لا عن طريق تقليد من يُطلق عليهم أسم النجوم، أو اللحاق بركب ما تفرضه الموضة.
فتاتي…!! أنت كما أنت نجمة حقيقية، وبيدك أنت وحدك تستطيعين أن تُبقيها ساطعة متلألئة في السماء، حين لا تكونين… إلا أنت!!
منى الشرافي تيم
-
أحدث التدوينات
My Twitter
- https://t.co/ghEow3IYDQحوالي 1 week ago
- أمّي.. ثم أمّي.. ثم أمّي.. monaalshrafi.com/2023/03/21/%d8… via @MonaTayim لأن الأم في حياتها كبيرة جداً، ولكنها حين تغيب تصبح أكبر!!حوالي 1 week ago
- أمّي.. ثم أمّي.. ثم أمّي.. monaalshrafi.com/2023/03/21/%d8…حوالي 1 week ago
- https://t.co/2f9JcoqTkiحوالي 1 week ago
- ثقافي / معرض الشرقية للكتاب 2023 يُنظم مؤتمر الطفل الأول spa.gov.sa/2432850 التغطية الصحفية لمؤتمر الطفل… twitter.com/i/web/status/1…حوالي 2 weeks ago
الأرشيف
- مارس 2023
- فيفري 2023
- نوفمبر 2022
- مارس 2020
- جانفي 2020
- نوفمبر 2019
- جويلية 2019
- أفريل 2019
- مارس 2019
- جانفي 2019
- ديسمبر 2018
- نوفمبر 2018
- أكتوبر 2018
- سبتمبر 2018
- جويلية 2018
- جوان 2018
- ماي 2018
- مارس 2018
- جانفي 2018
- ديسمبر 2017
- نوفمبر 2017
- سبتمبر 2017
- أوت 2017
- جويلية 2017
- جوان 2017
- ماي 2017
- أفريل 2017
- مارس 2017
- فيفري 2017
- جانفي 2017
- ديسمبر 2016
- نوفمبر 2016
- أكتوبر 2016
- سبتمبر 2016
- ماي 2016
- مارس 2016
- جانفي 2016
- ديسمبر 2015
- نوفمبر 2015
- أكتوبر 2015
- سبتمبر 2015
- أوت 2015
- جويلية 2015
- جوان 2015
- ماي 2015
- أفريل 2015
- مارس 2015
- فيفري 2015
- جانفي 2015
- ديسمبر 2014
- نوفمبر 2014
- أكتوبر 2014
- سبتمبر 2014
- أوت 2014
- جويلية 2014
- جوان 2014
- ماي 2014
- مارس 2014
- فيفري 2014
- جانفي 2014
- ديسمبر 2013
- نوفمبر 2013
- أكتوبر 2013
- سبتمبر 2013
- أوت 2013
- جويلية 2013
- جوان 2013
- ماي 2013
- أفريل 2013
- مارس 2013
- فيفري 2013
- جانفي 2013
- ديسمبر 2012
- نوفمبر 2012
- أكتوبر 2012
- سبتمبر 2012
- أوت 2012
- جويلية 2012
- جوان 2012
- ماي 2012
- أفريل 2012
التصنيفات
منوعات
-
انضم مع 31٬828 مشترك
للأسف الشديد في زمننا هذا اصبح الجد هزل والهزل اصبح موضه وسأضيف اليكي مفارقه اخرى …تسليطك للضوء على تلك المفارقه بين الجد والمثابره والاجتهاد والهزل والعري والاسفاف هو ايضا بالنسبة لتك الآفات سيكون مجرد فلاش سرعان ما يضوي ويلمع في عيونهم وسرعان ما سيطرحونه وراء ظهورهم لأنهم يريدون الشهرة والمكسب السريع ولا وقت لديهم الا للغة المال والشهرة واشباع رغبات المكبوتين من جمهورهم الضائع مثلهم بفعل حكومات تشجع تلك النوعيه للألهاء والحفاظ على الكراسي والمناصب … مقالك رائع يقرع اجراس الخطر من تلك الآفات والتي لا يقل تأثيرها عن المخدرات والمسكرات ومغيبات العـقول وياليتهم يقرءون ويفهمون …تحياتي استاذتنا الغاليه
كلامك 100100 وشكراً لك على هذة الكلمات الرائعة