المعنى النقدي بحره واسع, وشروطه معقدة, وإتقانه غاية تتسع حدودها في فضاء التجربة والخبرة والكفاءة, والفكر يتجدد مع كل فجر جديد. والقلم هو ترجمان العقول والقلوب, بصيرته مواقف جديرة بالتأمّل, وقضاياه مسائل مهمة تخدم المجتمعات البشرية…إنّه يحمل أمانات الفكر والعاطفة والأمل, ويسجل المواقف والقرارات التي ستحسب علينا. ورسالة الأدب هي دعوة في سبيل تحقيق مستقبل مشرّف ومجتمع سليم؛ هي بحث عن استقرار الأوطان ونشر العدل, وبذر قيم الحقّ والجمال؛ هي حق الحريّة لكل إنسان, ولكنّها مسؤولية كبرى, فيها تحقيق للسيادة الحقيقية بعيدا عن الحقد والكراهية والفساد.
تشهد الرواية العربية اليوم انتشارا واسعاً في العالم العربي. والرواية الأكثر رواجا ومبيعاً هي تلك التي تحمل في طيات صفحاتها الرذيلة والجنس المبتذل والفضائح والشذوذ والسياسات المتطرفة. فالرواية إن لم تكن دعوة في سبيل تحقيق مستقبل مشرّف, ومجتمع سليم. يجب أن لا تكون وسيلة لتجاوز حدود المحرمات, وباباً من أبواب الرذيلة. وهنا يأتي دور الناقد الذي يحمل رسالة إصلاحية توجيهية تنير أنفاق الظلام أمام المتلقّي. في إضاءة على السلبية في سبيل الإيجابية, وإضاءة على الإيجابية لتكون حافزاً ومثالاً يقتدى به, وهذا ما نحن في مسيس الحاجة إليه – نحن العرب – في كل إقليم من بلادنا العربية, نتعرض اليوم إلى هجمات متلاحقة ظالمة شرسة, هدفها تهميشنا وتهشيمنا, والقضاء على تاريخنا, وإلغاء قيمنا الأخلاقية والاجتماعية..إنها حرب شعواء, بارودها نوويّ يذيب ويُفني, وهدفه مَحْو آخر ما تبقّى منا وجوداً وأثراً.
الحياة تحمل في طياتها الخير والشر, الجمال والقبح, وهذا ينطبق على عالم الكتابة والكتّاب, والنقد موضوع ذو إشكالية يحتاج إلى التعمق في النصوص في مناخ جدلي متناقض ما بين القوة والضعف أو تضارب الأحكام, وتداخل الغيرية والذاتية. والناقد لا يكون ناقدا إلا إذا كان ذا ثقافة واسعة, وذوقا أدبيا رفيعا, وحساً نقدياً متميّزاً. ولكن كيف يتحقق المعنى النقدي تحت رقابة الصحافة التي تفرض على الناقد لائحة من الممنوعات والمحظورات التي تكبّل العقل واللسان وتقيّد القلم. عمل الناقد هو التفسير والتأويل والكشف والتحليل والتقويم, كي يتم الكشف عن مواطن الجودة والرداءة في العمل الأدبي من أجل الحياة الأدبية وتطورها.
إن النقد فن قد يصل إلى مستوى الإبداع ويكشف أسرار الجمال والقبح, والناقد الحق أداته وفي خدمته. ولكن أن تحوّله الصحافة إلى مؤدٍّ أو ناقل أو مجرد قارئ يلخص العمل الأدبي دون أن يحق له الاعتراض أو التعبيرعن رأيه, وذلك لأسباب عديدة غير مقنعة, منها سياسة الإشراف الإعلامي والتوجه المحدد مسبقاً. الذي لا يريد أن يثير الجدل أو خلق عداوات مع الكاتب, وخصوصا إذا كان يتمتع بمكانة مرموقة في المجتمع. واعتراض الناقد على استخدام الكاتب للجنس الشائن وجعله محوراً أساسيا في الروايه لجذب القارئ واستمالته, لهو دليل على ضيق فكره, وعدم تقبّله للتطور الإبداعي وحرية التعبير, ورفضه الكشف عن خبايا المجتمعات العربية, وشواذها واضطراباتها وهذيانها. وهذا أمر غير محق وفيه ظلم يطال الناقد, فالناقد عمله أن يضيف إلى النص إبداعاً جديدا وهو يؤيد أحقية الإبداع وحرية التفكير التي تواكب الحضارة الإنسانية ويتفاعل مع الزمن الحديث والحيوية المتطورة, ويبحث في العمل الأدبي عن مكامن الإبداع والبناء الفني. ولكن إذا خلت الرواية من القيم الفنية والجمالية التي تحيي الكلمة والمعنى والبناء والعبارة, وحملت فكرأ هداماً, وخرجت عن هدفها الأصلي وأصبحت, مقصداً ترويجياً كوسيلة سريعة للشهرة, أو نقصاً في القدرة الإبداعية. فمن واجب الناقد أن يضيء هذا الجانب ويكشفه للقارئ. ومن واجب الصحافة أن تعطيه مساحة كافية للتعبير فإن حرية الكلمة هي المقدمة الأولى للديمقراطية, وبدونها تخيّم الغمائم السود على العقول فتخفي الإبداع والطموح.
فالنقد عندما يحاسب الأدب, لا يحاسبه للانتقام أو للتقليل من درجة الإبداع الأدبي. أو حظر حرية الكاتب في تناول الموضوعات التي تثير الجدل في مجتمعاتنا. على العكس تماما, فعمل الناقد هو إغناء النص الأدبي, حتى يصبح أكثر نضوجاً واكتمالاً. وأكبر دليل على ذلك ما أشار إليه أحمد الشايب في كتابه “أصول النقد الأدبي” ص 31 “والناقد الماهر يقدِّر البراعة الفنيّة في الأداء ولا يراها مصادفة طارئة, بل ثمرة الطبع الموهوب والذوق المصفّى”.
منى الشرافي تيّم
قد يكون الناقد كما النحله التي تحط على ورده هذا اذا كان معنيا بالجمال الذي يفرزه رحيق الموهبه المنسكبه من النص الادبي. وقد يكون كما الدبور السام الذي لا يعنيه سوى قتل النحله وتلويث الورده لا بل واثاره الذعر عند عشاق الورود الجميله او ان جاز التعبير تحريض القراء على الهرب والنفور من القراءه. شتان بين النحله والدبور. هناك نقاد يتعمدون ان يقتلو المبدع . تحياتي لك دكتوره منى ايتها الناقده والتي اشبه ما تكون بنحله ادب تعرف ماهيه الورود التي تستطيع ان تفرز عسل الكلمات من حديقه الكتابه . شكرا على اثاره هذا الموضوع القيم .
لست متخصصا في مجال النقد ولكن مقالك اعطاني صوره شبه متكامله تتوحد مع الفطره البريئه التي تسكن في اعماق كل منا عن ادبيات المهنة والتزماتها في زمنا ثقلت فيه كلمة الحق على ان تستثيغها تلك العقول التي باتت تبث سمومها الفكريه عبر هالات جنسيه وايحائيه وفوضويه هدفها تاره الافساد وتاره الشهر وتاره الكسب السريع للمال ولو على حساب قيمنا وثوابتنا العربيه الاصيله والتي باتت هي الاخرى غريبه بفعل محاولات الهدم والافساد المتعمد لكل ماهو ذو قيمة تمهيدا لمسخها واضعافها والسيطره عليها … تحياتي ايتها المبدعه المستنيره لألقاءك الضوء دوما على كل ما يؤرقن