الفن على تنوع مجالاته واختلاف أشكاله، هو مقوّم أساسي وفعّال من مقومات الحياة المشرقة، لما يحمله من أبعاد فنيّة عميقة، تصوّر الجمال وتعبر عنه، من خلال اعتماده عمليات الخلق والابتكار، لتحفيز الإبداع، وتهذيب النفس، وتنمية الذوق، وترجمة الأحاسيس والمشاعر، التي تسمو بالنفس الإنسانية، للارتقاء بالأخلاق والمجتمعات والأمم, وتلطيف قسوة الواقع.
لا بد لنا من الاعتراف، أن النظرة إلى الفن، هي نظرة نسبية، من الصعب تحديدها أو تعريفها, لأنها تعتمد على الأذواق، التي تحركها العواطف, إلا أن الرؤية المثالية للفن، تتمثل في كونه موهبة حيّة، ومقدرة إبداعية انفعالية، ومهارة فردية، تتأثر بذاتيتها، وكل ما يدور حولها، ويميزها امتزاجها بالخيال الثائر المجنّح. ويكون هدف الفنان سواء عن طريق اللغة والتعبير، الشكل واللون، الحركة والإيماء، الصوت واللحن، الوصول إلى ابتكار أعمال فريدة، ذات قيمة فنية عالية.
إن الخوض في غمار الفنون الحديثة، أمر شائك ومحير، ولن يكتمل مهما حاولنا، لأننا بحاجة إلى التوغل في هويته, التي انحرفت عن مسارها في خضم الإيقاع السريع، والكسب المادي والتجاري, والسعي المحموم إلى الشهرة. ومهّد إلى كل ذلك غزو مفاهيم تجديدية، شوّهتها جدليات الحداثة وما بعد الحداثة، التي تجاوزت مفهومها الحقيقي كفكر يسعى إلى إحداث تغيير اجتماعي وفكري وفني، يهدف إلى تحطيم القيود التقليدية لما قبل الحداثة، التي حددت للفنون أطراً ومعايير, فكبتت الفنانين وحجّمت طاقاتهم الإبداعية. إلا أنها نحت اليوم منحى الانحدار والابتذال ومسخ الجمال، بالإضافة إلى التنازل عن القيم، وتدني الأخلاق وتراجع الثقافة. وكل ذلك تحت شعار “الفن للفن”.
إننا اليوم نعيش عصر فوضى الفنون, فالموسيقى تحولت إلى زمر وطبل وإيقاع صاخب, يصاحبه غناء، يعتمد الكلمات السطحية, تنفّذّها مغنيات يستعنّ بأجسادهن المثيرة… لا بحناجرهن!… أما الدراما، فقد أصبحنا رهائن المسلسلات التركية، التي اجتاحت بيوتنا وعواطفنا، وسمّرتنا ساعات طوال أمام شاشات التلفزة، على الرغم من افتقارها إلى الموضوعات، التي تناقش مشكلات مجتمعاتنا, وكأنها وسيلة للهروب من الواقع، أو الفرار من الدراما العربية، التي فشلت في تقديم مسلسلات هادفة في قالب مشوّق وجذاب، واستمرارها في اعتماد المواضيع المكررة، والصراخ، والنواح، أو التهريج… وبالنسبة إلى الفنون التشكيلية، فقد غلب عليها غياب الرؤية، وطغت عليها الفوضى والعبثية والغموض والمساحات اللونية، أو تقليد ونسخ الأعمال العالمية، وذلك بسبب غياب العراقة عن أذهان دخلاء الفن والمحتالين عليه… أما في مجال الأدب, فحدّث ولا حرج، فالأعمال الأدبية الأكثر رواجا، هي تلك التي تحمل في طيات صفحاتها الرذيلة والجنس والفضائح والشذوذ والتطرف.
إن مضمون هذا المقال ليس للتعميم، فالأصالة الراقية في الفن باقية في قلوب أهلها ومتذوقيها. ولكنه لتسليط الضوء على الفنون الرائجة والمنتشرة. لذلك نحن في أشد الحاجة إلى رقابة ذاتية ترقى بنا، لنميز بين الغث وبين السمين.
منى الشرافي تيم
-
أحدث التدوينات
My Twitter
- https://t.co/ghEow3IYDQحوالي 5 days ago
- أمّي.. ثم أمّي.. ثم أمّي.. monaalshrafi.com/2023/03/21/%d8… via @MonaTayim لأن الأم في حياتها كبيرة جداً، ولكنها حين تغيب تصبح أكبر!!حوالي 1 week ago
- أمّي.. ثم أمّي.. ثم أمّي.. monaalshrafi.com/2023/03/21/%d8…حوالي 1 week ago
- https://t.co/2f9JcoqTkiحوالي 1 week ago
- ثقافي / معرض الشرقية للكتاب 2023 يُنظم مؤتمر الطفل الأول spa.gov.sa/2432850 التغطية الصحفية لمؤتمر الطفل… twitter.com/i/web/status/1…حوالي 2 weeks ago
الأرشيف
- مارس 2023
- فيفري 2023
- نوفمبر 2022
- مارس 2020
- جانفي 2020
- نوفمبر 2019
- جويلية 2019
- أفريل 2019
- مارس 2019
- جانفي 2019
- ديسمبر 2018
- نوفمبر 2018
- أكتوبر 2018
- سبتمبر 2018
- جويلية 2018
- جوان 2018
- ماي 2018
- مارس 2018
- جانفي 2018
- ديسمبر 2017
- نوفمبر 2017
- سبتمبر 2017
- أوت 2017
- جويلية 2017
- جوان 2017
- ماي 2017
- أفريل 2017
- مارس 2017
- فيفري 2017
- جانفي 2017
- ديسمبر 2016
- نوفمبر 2016
- أكتوبر 2016
- سبتمبر 2016
- ماي 2016
- مارس 2016
- جانفي 2016
- ديسمبر 2015
- نوفمبر 2015
- أكتوبر 2015
- سبتمبر 2015
- أوت 2015
- جويلية 2015
- جوان 2015
- ماي 2015
- أفريل 2015
- مارس 2015
- فيفري 2015
- جانفي 2015
- ديسمبر 2014
- نوفمبر 2014
- أكتوبر 2014
- سبتمبر 2014
- أوت 2014
- جويلية 2014
- جوان 2014
- ماي 2014
- مارس 2014
- فيفري 2014
- جانفي 2014
- ديسمبر 2013
- نوفمبر 2013
- أكتوبر 2013
- سبتمبر 2013
- أوت 2013
- جويلية 2013
- جوان 2013
- ماي 2013
- أفريل 2013
- مارس 2013
- فيفري 2013
- جانفي 2013
- ديسمبر 2012
- نوفمبر 2012
- أكتوبر 2012
- سبتمبر 2012
- أوت 2012
- جويلية 2012
- جوان 2012
- ماي 2012
- أفريل 2012
التصنيفات
منوعات
-
انضم مع 31٬828 مشترك
الفن الحقيقي هو الذي ينطلق من الجانب الأصيل من جوهرنا وبتالي هو لا يقبل التزوير والبهرجه . كم هو عظيم ان يقتنع كا اولئك بأن الفن هو اشعاع لا يمكن تقليده لانه مصدره الجوهر , وبالطبع الجوهر هو كينونه ذاتنا .
استعراض هائل لواقع مرير لا يكتبه الا من لديه حاسه قوية للتذوق وحسن الانتقاء وللأسف رؤيه ثاقبه لزمننا الهش ….مساء الانوار استاذتنا الجميله