الجمال اليوم أصبح هاجساً يؤرّق مضجع المرأة العربية, فهو بالنسبة إليها سباق ماراثوني طويل لا نهاية له, وصراع مرير مع المرآة, التي تغيرت ملامح وظيفتها, حين بدأت تعكس ثقافة توقّف الزمان, والتملص من خطوط السنين والعمر. كما أن تضخم فكرة اقتناء الجمال بشكلها اللافت, جعلها تسيطر على عقول النساء وتفكيرهن, وحوّلهن إلى رهائن في متاهات العيوب الوهمية, فتحول مفهوم اقتناء الجمال لديهن من مجرد فكرة أو موضة دارجة, إلى نوع من الوسواس المَرضي, الذي بدد أموالهن وأقلق راحتهن, وقلل ثقتهن بأنفسهن, وبدل أن يقودهن إلى الرضى والقبول والراحة النفسية, قادهن إلى الإحباط والتوتر والقلق والاكتئاب, والبحث المضني والمستمر في عيون الناس عن نظرة إعجاب, أو تصيّد بعض عبارات الثناء من هنا أو هناك على جمالهن من أيٍ كان, فقط لإرضاء نوع من الغرور, عجزت النظرات, وكلمات الإعجاب, وعمليات التجميل عن الوصول به إلى بر الرضى.
إن وسواس الجمال القهري المرضي, يتمثل في عدم اعتراف المصابات به بتقدم العمر, وإصرارهن على العودة إلى ملامح الصبا والاحتفاظ بها, كما يتمثل في محاولاتهن التشبه بالنجمات الشهيرات اللواتي أجرين عشرات العمليات التجميلية. والاقتناع بهذه المظاهر له أبعاد خطيرة جداً, من شأنها أن تجرف المرأة إلى التمسك بالقشور, وسطحية الفكر والهدف والدور, والتواري خلف أقنعة الجمال الزائف الزائل, فالجمال في أي وقت وأي مكان, أمر نسبي لا يمكن أن يُحدد له أطر أو مقاييس, ويخضع عموماً لأذواق الناس واختلاف رؤاهم وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأحوالهم النفسية.
تبدأ علاقة المرأة بالمرآة منذ طفولتها, فهي تروي ظمأها الخارجي وترضي أنوثتها إن كانت تتمتع بالجمال, وتقابلها بالتجهم والسخط والغضب إن كانت على نسبة متدنية منه. كما تحمل الأنثى في أعماقها أسئلة كثيرة لطالما, وما زالت تبحث لها في مرآتها عن أجوبة, وعلى وجه الخصوص تلك التي تعكسها نظرة الرجل إليها. وهذه النظرة بالنسبة لعدد كبير من النساء قد تكون مرآتهن الحقيقية التي يجهدن كي يرين انعكاس صورتهن فيها. كما قد تبحث المرأة في مرآتها عن انعكاس صورتها في أعين نساء أخريات ينافسنها على عروش الجمال الوهمية من صنعها وصنعهن. والمرأة بذلك تطبّق المثل القائل: “لا تحزن المرأة على قلة ما عندها, بل على كثرة ما عند غيرها”.
ولتتربع المرأة العربية العصرية على عرش الجمال, تكلّفت في التأنق والتألق, وبذّرت أموالها من أجل اقتناء أفخر “الماركات” العالمية من المجوهرات والثياب والحقائب, لتتناسب مع ظهورها الاجتماعي. وكل ذلك, ليس للشعور بالرضى الذاتي, بل كي تتفوق على صديقاتها, وكي تشير إليها الأخريات وتثبت حضورها بينهن. والمضحك المبكي حين تُحدد قيمة المرأة ومكانتها بين نساء المجتمع من ثمن حقيبة يدها و”ماركتها”. إلا أن كل هذا المجد الزائف لم يُرضِ غرور المرأة, فهناك كثيرات ربما تفوّقت عليهن مادياً, إلا أنهن ربما تفوّقن عليها جمالاً, مما جعلها تلجأ إلى عمليات التجميل, فشفطت وشدت وكبّرت ونفخت, إلى أن تحولت إلى دمية مشوّهة خالية الملامح والمعالم. وكل هذا سبّب لها اضطراباً في شخصيتها الحقيقية, وضياعاً لهويتها النفسية. لأن داخلها لا يتناسب ولا يشبه في شيء مظهرها الخارجي الجديد عليها, والغريب على الناس, والمحيّر لمرآتها. وهذا الضياع نتيجته الطبيعية, العيادات النفسية, لمعالجة الانفصام والازدواجية بالعقارات المهدئة وأدوية الاكتئاب.
ولا بد هنا من الإشارة والتأكيد على إيجابيات وفوائد عمليات التجميل, التي لا يمكن إنكارها من ناحية إصلاح خلل ما, أو تجميل بعض التشوهات الخَلقية, أو إجراء بعض التعديلات, التي لا تبدل أو تغير شكل الملامح الطبيعية. ولكن للأسف, استغلها البعض بصورة سلبية, وأصبح إجراء العمليات التجميلية موضة تتغير وتتبدل مع تغير المواسم والفصول. وهي في كثير من الأحايين تأتي بنتائج عكسية, فتزيد الحالة سوءاً, وقد تُحدث تشوهاً لا يمكن إصلاحه.
إن الاهتمام بالمظهر والجمال الخارجي بالنسبة للمرأة أمر جوهري وشيء طيب, فالإطلالة الراقية لها تأثيرها وحضورها, خصوصا إذا ما ترافقت مع الشخصية القوية الواثقة, المتسلحة بالفكر والثقافة والموهبة والذوق المصفّى, بغض النظر عن مستوى الجمال أو ماركة الثياب. ومما لا شك فيه أن المظهر يعكس حقيقة الجوهر, فإذا كان الجوهر جميلاً سيضفي مسحة من الجمال العفوي الفِطري. هو نوع من الجمال لا تشتريه المادة, ويعجز عن صنعه مبضع صانع الجمال.
-
أحدث التدوينات
My Twitter
- https://t.co/ghEow3IYDQحوالي 1 week ago
- أمّي.. ثم أمّي.. ثم أمّي.. monaalshrafi.com/2023/03/21/%d8… via @MonaTayim لأن الأم في حياتها كبيرة جداً، ولكنها حين تغيب تصبح أكبر!!حوالي 1 week ago
- أمّي.. ثم أمّي.. ثم أمّي.. monaalshrafi.com/2023/03/21/%d8…حوالي 1 week ago
- https://t.co/2f9JcoqTkiحوالي 1 week ago
- ثقافي / معرض الشرقية للكتاب 2023 يُنظم مؤتمر الطفل الأول spa.gov.sa/2432850 التغطية الصحفية لمؤتمر الطفل… twitter.com/i/web/status/1…حوالي 2 weeks ago
الأرشيف
- مارس 2023
- فيفري 2023
- نوفمبر 2022
- مارس 2020
- جانفي 2020
- نوفمبر 2019
- جويلية 2019
- أفريل 2019
- مارس 2019
- جانفي 2019
- ديسمبر 2018
- نوفمبر 2018
- أكتوبر 2018
- سبتمبر 2018
- جويلية 2018
- جوان 2018
- ماي 2018
- مارس 2018
- جانفي 2018
- ديسمبر 2017
- نوفمبر 2017
- سبتمبر 2017
- أوت 2017
- جويلية 2017
- جوان 2017
- ماي 2017
- أفريل 2017
- مارس 2017
- فيفري 2017
- جانفي 2017
- ديسمبر 2016
- نوفمبر 2016
- أكتوبر 2016
- سبتمبر 2016
- ماي 2016
- مارس 2016
- جانفي 2016
- ديسمبر 2015
- نوفمبر 2015
- أكتوبر 2015
- سبتمبر 2015
- أوت 2015
- جويلية 2015
- جوان 2015
- ماي 2015
- أفريل 2015
- مارس 2015
- فيفري 2015
- جانفي 2015
- ديسمبر 2014
- نوفمبر 2014
- أكتوبر 2014
- سبتمبر 2014
- أوت 2014
- جويلية 2014
- جوان 2014
- ماي 2014
- مارس 2014
- فيفري 2014
- جانفي 2014
- ديسمبر 2013
- نوفمبر 2013
- أكتوبر 2013
- سبتمبر 2013
- أوت 2013
- جويلية 2013
- جوان 2013
- ماي 2013
- أفريل 2013
- مارس 2013
- فيفري 2013
- جانفي 2013
- ديسمبر 2012
- نوفمبر 2012
- أكتوبر 2012
- سبتمبر 2012
- أوت 2012
- جويلية 2012
- جوان 2012
- ماي 2012
- أفريل 2012
التصنيفات
منوعات
-
انضم مع 31٬828 مشترك